طريق الشعب

كثيرة هي القصص المثيرة التي كشفت عنها الاحتجاجات العراقية المتواصلة، بعضها انتهت بشكل مأساوي وأخرى نجا أبطالها بأعجوبة، فيما كسر البعض منها قيوداً مجتمعية فرضت منذ عقود.

في السادس من كانون الأول الماضي، وتحديدا عند جسر السنك وساحة الخلاني، كان حسن يهرول برفقة أصدقائه “الغرباء” من شارع لشارع ومن حي لحي. ولم يكن قادرا على التنقل بمفرده كونه كان ضيفا على التظاهرات. فهو قادم من البصرة للمشاركة فيها بعدما أخبر ذويه بأنه مسافر برفقة أصدقائه في رحلة سياحية إلى كردستان.

أثناء رحلة الهرب من نيران المسلحين المجهولين في الساحة، لم يكن حسن يعلم أن هذا اليوم سيخلد بوصفه يوم “مجزرة السنك” الذي انقض فيه "مسلحون مجهولون" على المتظاهرين بالرصاص الحي. وكانت المحصلة سقوط 24 قتيلا وعشرات الجرحى.

“كانت عبارة انتبه لنفسك من أكثر العبارات التي ستتناهى لمسامعك في الساحة لحظة الاشتباك مع القوات الأمنية” - بحسب حسن، مضيفا أن "أغلب الموجودين في الساحات كانوا متآلفين رغم أنهم غرباء عن بعضهم”.

ويصف حسن - الطالب في جامعة البصرة - خيمته التي اعتصم فيها مع زملائه لأيام قبل عودته إلى مدينته، قائلا: انها “كانت مجهزة بأغطية متواضعة ومدفأة مع مستلزمات للطوارئ كعلب المشروبات الغازية التي صارت رفيقنا الوفي لفوائدها في إزالة تأثير قنابل الغاز المسيل للدموع”.

ويذكر حسن - الذي فضّل الكشف عن اسمه الأول فقط - أنه أصبح يرى الأمور بصورة مغايرة بعد الاحتجاجات، وأن حلمه السابق في مغادرة العراق واللجوء لخيار الهجرة قد تغير، وبات يفكر جديا في تأسيس حياته في بلده، بعد أن رأى أن هنالك بصيص أمل فـ”الثورة مستمرة لم تنته بعد” - حسب قوله.

المسعفة فرح القيسي، وهي إحدى المشاركات في تظاهرات بغداد، تقول في حديث صحفي: "لم أكن أعرف ما الواجب عليّ فعله، فقد بدأت أخبار القناصين تنتشر وصار الضحايا في ازدياد، كنت أجد في نفسي القدرة على المساعدة بحكم مهنتي، لكن خوف الأهل على سلامتي كان يمنعني من المشاركة في البداية”.

ولم يكن الأمر سهلا على فرح ورفيقاتها، فهي المرة الأولى التي يبدو فيها أن للشابات العراقيات والنساء دورا مؤثرا في الميدان. إذ كانت المسعفات رأس السهم الذي كسر حاجز الخوف لدى المتظاهرات، وأزال عن الطريق سنوات طويلة من الانغلاق والتحفظ لدوافع أمنية واجتماعية.

تقول فرح، أن “المرة الأولى التي استنشقت فيها الغاز المسيل للدموع كانت نهار 29 تشرين الأول، عندما وصل بلاغ بوجود مصابين على جسر السنك”، مضيفة: “كنا نهرع نحو المصابين أينما كانوا فور سماعنا صوت القنابل الدخانية، حاملين معنا عدة لعلاج الإصابات السطحية والاختناق”.

وتواصل قائلة: “ما زلت أتذكر وجه ذلك المتظاهر الذي لم يتجاوز 14 عاما من عمره، وكان مصابا بحالة اختناق شديدة، وخائفا مرتبكا لأنه موجود في التظاهرة دون علم أهله”.

وكانت الناصرية من أكثر المدن بعد بغداد، قد شهدت أياما دموية، استخدمت فيها القوات الأمنية الرصاص الحي ضد المتظاهرين لتفريقهم من الشوارع المحيطة بساحة الحبوبي. إذ شهدت المدينة مطلع كانون الأول الماضي، أحداثا دامية سقط فيها أكثر من 25 قتيلا وأصيب نحو 400 آخرون.

المدون حسين الغرابي، وهو شاب من الناصرية متزوج ويعمل محاميا، ظل موجودا داخل خيم الاعتصام في ساحة الحبوبي، وشارك في الحركة الاحتجاجية منذ بدء انطلاقها.

الغرابي واحد من مئات الشباب الذين لعبوا دورا هاما في نقل الصورة وتداول المعلومة من فيديوهات وصور وأخبار على منصات التواصل الاجتماعي، وساهموا أيضا في حث الناس على التظاهر.

يقول في حديث صحفي: “فوجئت بقصص الإيثار وكم الوعي الذي لمسته لدى غالبية المتظاهرين والمعتصمين نساء ورجالا، وكنت قد وثقت معظمها بصور وفيديوهات نشرتها على صفحتي الشخصية في فيسبوك، منها قصة السيدة التي واصلت إعداد الطعام والخبز للمتظاهرين في الساحة لثلاثة أشهر دون كلل”.