طريق الشعب
ربما كان هدفهم أسمى ما يبتغون، لذلك قرر العراقيون كسر كل القيود للوصول إليه. ففي احتجاجاتهم ظهرت وقائع لم تكن توجد في بلد آخر، دلّت على وحدة الصف لتحقيق المنال.

نوادر في ساحة التحرير

وجّه المتظاهرون الأنظار إلى قضيتهم منذ البداية لما ظهر فيها من نوادر.
فبعد “المطعم التركي” الذي غدا أشهر من نار على علم، إثر تحوله من مبنى مهجور يطل على المنطقة الرئاسية إلى حصن ونقطة تجمع للمحتجين ومأوى لتناول الطعام والمنام، ظهرت سيدة في زاوية من الحراك تضع أمامها حلل الطبخ، ووراءها صورة لابنها الشهيد.
وفي زاوية أخرى من ساحة التحرير، خيّمت سيدتان جارتان قررتا التطوع لغسل ثياب المتظاهرين، حيث اعتمدت نوفة على غسالتها الوحيدة، فيما فضلت أم سلوان شراء واحدة جديدة بالتقسيط.
بدأت القصة عندما كان ابن نوفة المتمركز في الساحة مع المحتجين يسلم والدته حقائب ثياب كبيرة لغسلها في المنزل، إلا أنها رأت أن هذا مضيعة للوقت، وفضلت البقاء قريبة منهم، وبدأت بالاعتصام في الساحة لأكثر من 17 ساعة يوميا، وهو ما يمكنها من غسل كمية أكبر وباستمرار.
أما أم سلوان، فقد تطوعت بدفع أقساط الغسالة الجديدة، وخيمت مع نديمتها نوفة في المكان نفسه للغرض نفسه، لأنها “تتشرف بغسل ملابس المتظاهرين الأبطال” بحسب ما كتبته على لافتة رفعتها وراءها.

“إذا قتلتمونا كلنا فمن ستحكمون؟”

هذا أحد العناوين الرئيسة في واحد من أعداد صحيفة “التكتك” التي يصدرها ويطبعها ناشطون في الحراك الجماهيري، ويوزعونها على آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير.
وتحمل الصحيفة اسم المركبة ذات الثلاث عجلات، أصبحت رمزا للاحتجاجات إثر استخدامها في نقل الجرحى من المتظاهرين إلى المستشفى الميداني.
ظهرت "التكتك" من أجل بلورة مطالب الاحتجاجات بعد قطع خدمة الإنترنيت لأسابيع، ويقف وراء المشروع ناشطون لهم خبرة في مجال النشر الإلكتروني، يكتبون المقالات ويحررون الصحيفة ويطبعونها في ورش طباعة محلية، ويوزعون نحو ألفي نسخة على خيام المتظاهرين مرات عدة في الأسبوع.
وتتضمن الصحيفة مقالات يكتبها ناشطون محليون، وترجمات لتقارير وسائل إعلام دولية عن العراق.
بالمقابل، يقول متظاهر عن الصحيفة: “إنها عظيمة، تحوي بعضا من أدق الأخبار التي نراها. لا نعرف بالتحديد أين تكتب وتطبع، وهذا أفضل على الأرجح حتى لا يتعرض محرروها للاعتقال”.

للحراك منشد وكاتب أيضاً!

بصوت جهوري، وقدرة عالية على ابتكار الألحان، ولغة عربية حيّة تميل للحزن، خرج الشاب حيدر حسن التميمي للمرة الأولى كمنشد للثورة الشبابية في 2 تشرين الأول، وهو ينشد نشيداً ثورياً من متظاهر يطالب بحقوقه مع رفاقه.
يقول التميمي في حديث صحفي: “إننا كمجتمع عربي نميل للشعر والأدب وشعر المعلقات، كما أن شعراء المعلقات هم خير مثال لنا على من استخدم الشعر والنشيد كوسيلة للحماس، وبث الروح في صفوف الناس. فعلت مثلهم، استخدمت الأناشيد لزيادة الحماس لدى المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة، ولطرح أفكارنا سلميا”.
ويلفت التميمي إلى أن من يكتب القصائد هو أخوه الأكبر الشاعر أحمد حسن التميمي، وهو شاعر معروف”.
وعن ألقابه يقول إنه حصل على كثير منها، أهمها ”شاعر الثورة”، و”منشد الثورة”، مشيرا إلى أن هذه الألقاب أضافت إليه مسؤوليات كبيرة.

حتى الجدران تكلّمت

لم تتوقف النشاطات في ساحات الاحتجاج، فقد امتلأت جدران الساحات برسوم وصور من قلب الحراك. تحدثت عنه، ونقلت مطالبه، حتى إنها كتبت أوجاعه، ثم غدت تلك الجدران متاحف يقصدها المحتجون لالتقاط الصور، ولمتابعة كل ما هو جديد نقش عليها