طريق الشعب 

من بين أكثر الظواهر لفتا للأنظار في الحركة الاحتجاجية المتواصلة اليوم في بغداد وعديد من المحافظات، هي المشاركة الفاعلة للمرأة، وما عكسته من شجاعة وبسالة وروح وطنية سامية. 

متظاهرتان تحدثتا عن تجاربهما وأبرز مشاهداتهما في ساحة التحرير:

أمهات المتظاهرين

تحرص ريا على الحضور يوميا إلى ساحة التحرير لإيصال التجهيزات والمواد الطبية والإمدادات للمتظاهرين.

تقول في حديث صحفي: "أنا في ساحة التحرير ليس بوصفي متظاهرة، إنما أم للمتظاهرين. فأنا أخاف كثيرا على الشباب هنا وأتمنى أن لا يهدر دم أكثر".

وتضيف: "كان حضور النساء في الأيام الأولى قليلا، ثم بدأ يتزايد. بتُّ أرى نساء من كل الأجيال ومن مختلف الشرائح الاجتماعية.. أرى الجدات اللواتي يجهزن الخبز و(السياح)  والشاي إلى جانب الشابات العصريات".

وتتحدث ريا عن أمهات قدمن إلى الساحة مع أبنائهن، وعن صبيات وشابات شاهدتهن يهتفن بصوت عال بكل طموح الشباب وجموحه، مبينة في قولها: "لم أتمكن من حبس دموعي في كثير من الحالات الإنسانية التي شاهدتها هناك"، موضحة انه "في إحدى حملات التنظيف الطوعية التي قمنا بها في الساحة، جاءنا رجل مسن حاملا (صينية الشاي)، وبدأ بتوزيعه على شباب الحملة". 

وتروي ريا قصة امرأة استشهد اثنان من أبنائها في الانتفاضة، وأبت ألا تغادر الساحة، مصرة على إعداد الخبز وتوزيعه على المتظاهرين، قائلة لهم: "انتم أبنائي الذين ستعوضونني عن ابني الشهيدين". 

كما تتحدث عن امرأة كبيرة في السن لديها 7 أولاد، وهم كلهم مع أحفادها في الساحة، وهي تقوم بإعداد الخبز لهم وللمتظاهرين الآخرين، ويساعدها زوجها في ذلك.

تلفت ريا إلى أن اندفاع العراقيين للمشاركة في التظاهرات لا يوصف، مشيرة إلى أن "الكثير من الشباب قدموا إلى ساحة التحرير وأخفوا الأمر عن عائلاتهم، كي لا يثيروا قلقهم، لكنهم اكتشفوا أن أهاليهم سبقوهم إلى الساحة".

وتذكر ريا بهذا الصدد صديقتها تقى، التي أعدت "سندويتشات" للمتظاهرين، واتصلت بها كي تأتي معها إلى ساحة التحرير خافية الأمر عن أمها، لكن  تقى اكتشفت بعد وصولها إلى الساحة أن امها نفسها سبقتها إلى هناك، وأخاها أيضا، الذي كان قد أخبر والدته بأنه سيذهب للعب كرة القدم، وهو في الحقيقة كان يريد الذهاب إلى التظاهرات.  

وتذكر أيضا انها شاهدت امرأة توزع الطعام على المتظاهرين، بعد أن قدمت إلى ساحة  التحرير دون علم زوجها، لتكتشف أنه في الصفوف الأمامية مع المتظاهرين. 

مريم: جئت من كركوك لأقف معكم

مريم أديب (23 عاما)، وهي خريجة جامعة من مدينة كركوك لم تحصل على وظيفة بعد.

تقول مريم في حديث صحفي: "عندما بدأت التظاهرات كنت أراقبها من مدينتي البعيدة عن بغداد، وبدأت أرى صورا مؤثرة ومقاطع فيديو أظهرت شجاعة الشباب، فلم أستطع وقتها كبح تدفق دموعي أو الأرق، وأنا أفكر في أوضاع المتظاهرين ومصيرهم".

وتضيف: "قلت لزوجي - وهو أيضا خريج جامعة ولم يحصل على وظيفة - أريد أن أذهب إلى التحرير"، مشيرة إلى ان زوجها في البداية استغرب الأمر وأبدى قلقه من خطورة الوضع، لكنه في النهاية تراجع عندما رأى اصرارها على الذهاب. 

توضح مريم انها وزوجها قاما بجمع تبرعات مالية، وذهاب إلى بغداد من دون علم أهاليهما، وعندما وصلا إلى ساحة التحرير سألا عن نوع المستلزمات التي يحتاجها المتظاهرون، فذهبا لشرائها بالمبلغ المتوفر لديهما. 

وتبين مريم انها وزوجها ومعهم أربعة شباب من كركوك، ذهبوا في البداية، بعد شراء المستلزمات إلى موقع التظاهر الثاني عند جسر السنك، لكنهم  واجهوا  إطلاق نار، فحاولوا الاحتماء في مكان قريب حتى يتمكنوا من مواصلة طريقهم وإيصال المساعدات التي بحوزتهم، وقد ساهموا خلال الطريق في مساعدة بعض المتظاهرين الذين تعرضوا للاصابة. 

وتتحدث مريم عن مشاهدتها للشباب وهم يتوجهون إلى جسر الجمهورية أو المطعم التركي بلا شيء يحميهم من الاطلاقات وقنابل الغاز، وكيف انهم ظلوا مرابطين بدون راحة أو نوم مطالبين بوطنهم، مؤكدة أن "كل ذلك من أجلي ومن أجل إخوتي وأخواتي بل وحتى أولادي وأحفادي مستقبلا".