طريق الشعب

"كانت المرة الأولى التي أخالف فيها أوامر والديَّ. إذ لم أستطع مقاومة مشاعري عندما شاهدت زميلاتي في المدرسة يجمعن التبرعات ويتأهبن للمشاركة في التظاهرات، عندها شعرت بالخجل من نفسي، وقررت الالتحاق بهن مهما كانت النتيجة. وما هي إلا دقائق حتى تجمعنا عند بوابة المدرسة وانطلقنا نرفرف بالأعلام العراقية نحو ساحة الساعة وسط الديوانية".

هذا ما قالته الطالبة شيماء خالد (17 عاما) في حديث صحفي، مضيفة انه "بمجرد وصولنا إلى الساحة وجدتُ أفواجًا من النساء، بينهن طالبات المدارس، فبدأنا نهتف بصوت عالٍ (بالروح بالدم نفديك يا عراق)".

وتابعت قائلة: "في تلك اللحظة تملكني شعور غريب مليء بالقوة والرضا حتى تخيلت نفسي قائدًا في ساحة الميدان، حتى أن ضميري لم يعد يؤنبني لمخالفة توجيهات والديَّ".

أما سناء علي (39 عاما) فالأمر بالنسبة لها يختلف عن غيرها من النساء. فهي تعيش مع زوجها وأسرته المحافظة جدا، التي ترفض خروج النساء إلا لظروف محددة.

وشاهدت سناء عبر مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة النساء في التظاهرات، وتحفزت للانضمام لهن، لكنها كانت تخشى معارضة زوجها وأسرته. وبعد تردد أخبرته برغبتها، وفوجئت برده ليس بالموافقة فقط، بل بانضمامه هو كذلك للتظاهرات، وبمطالبته إياها بإعداد العشاء للمتظاهرين.

في بداية التظاهرات مطلع تشرين الأول الماضي، لم تكن مشاركة النساء في مدينة الديوانية وغيرها من المدن والمحافظات ملحوظة، وذلك بسبب القمع المفرط الذي واجهت به السلطات المتظاهرين، لكن المشاركة الواسعة للمرأة بلغت ذروتها منذ انطلاق تظاهرات يوم 25 من الشهر ذاته.

من جانبها تقول عضو "تحالف القرار 1325" ورئيسة "منظمة أوان" في الديوانية فريال الكعبي، إنها المرة الأولى التي تشاهد فيها مئات النساء يشاركن بحماس في التظاهرات، مضيفة أن "طالبات المدارس والكليات تسيدن أجواء التظاهرة، إلى جانب فئات نسوية أخرى متعددة ومتنوعة شملت جميع القطاعات، أما مشاركة ربات البيوت والصغيرات والمسنات فقد كانت لافتة".

وعن نسبة مشاركة النساء في التظاهرات، بيّنت الكعبي أنها تقدرها بـ40 في المائة من إجمالي عدد المشاركين.

ولم يكن دور المرأة في ساحة التظاهر مقتصراً على الحضور والتفاعل وحسب، بل تعدى ذلك إلى مبادرات مهمة ومتنوعة، ساهمت في تعزيز الحركة الاحتجاجية في بغداد والمحافظات. فقد تطوع فريق نسوي لجمع التبرعات من أجل توفير الماء والطعام للمتظاهرين، في حين وفر فريق آخر الأدوية وإسعافات الجرحى.

وعلى الجانب الآخر، انشغل عدد من النساء بحملات التنظيف وشراء الأغطية والملابس والكمامات. ولم تخلُ المبادرة من لمسة النساء الفنية في تلوين الشوارع والأرصفة والتبرع بالدم والأموال والمصوغات الذهبية.

نساء أخريات في الديوانية أطلقن مبادرة مميزة هدفها تعزيز الأمن والسلم الأهلي والتضامن مع المتظاهرين وتحفيز استمرار مشاركة النساء في التظاهرات. وقد أصدرت النساء بيانا عبرن فيه عن سلمية التظاهرات واستمرار مساندة المتظاهرين ودعمهم.

ودعت المبادرة إلى الإصلاح ومكافحة الفساد ونبذ العنف والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، كما أوضحت الكعبي.

ولم تنته مشاركة المرأة عند حد معين. فقد أخذت بمبادرة التحشيد من أجل تحقيق دور أوسع للنساء في حركة الاحتجاج، وتقديم الدعم المعنوي للمتظاهرين والوقوف إلى جانبهم.

تقول منسقة "شبكة النساء العراقيات" أمل كباشي: "لقد شهدت ساحة التحرير وساحات الاحتجاج الشعبي في المحافظات اندماجا مجتمعيا وتداخلا وطنياً ملحمياً بين فئات المجتمع".

وسجلت النساء دورًا كبيرًا في تعزيز التظاهرات من خلال تنظيم الوقفات التضامنية والاحتجاجية في ساحة التحرير، بالإضافة إلى تشكيل لجان جمع التبرعات لتوفير الدعم اللوجستي للمتظاهرين.