ترتبط ساحة التحرير ارتباطا وثيقا بالذاكرة العراقية. فمنذ انطلاق ثورة 14 تموز 1958، أصبحت الساحة منصة للخطابات وقبلة للمسيرات الجماهيرية، حتى قبيل حفر نفق باب الشرقي الشهير في مطلع سبعينيات القرن الماضي.

وما اضاف نكهة للساحة هو نصب الحرية الذي نفذه الفنان الكبير جواد سليم مستلهما من التظاهرات شكل النصب الخارجي فجعله على هيئة  لافتة مسيرة، ملخصا فيها المضمون التاريخي لمسيرة شعبنا، ساردا أحداثاً رافقت تاريخ العراق، من خلال تزاوج بين القديم والحداثة. فتخللت النصب النقوش البابلية والآشورية والسومرية القديمة، إلى جانب رواية أحداث ثورة تموز 1958 ودورها وأثرها على الشعب العراقي. الامر الذي أثار حقد الفاشيين البعثيين في أول انقلاب لهم عام 1963، حيث قاموا برشق النصب بمئات الاطلاقات النارية، التي ما زالت أثار بعضها، على النصب، شاهدا على جريمتهم.

وكانت جريمتهم الثانية محاولة تغيير نكهة ساحة التحرير الثورية، بعد انقلابهم الثاني عام 1968 ، عندما علقوا مجموعة من المواطنين على أعواد المشانق لعدة ايام بحجة التجسس لصالح العدو الصهيوني! وكن هذا في الحقيقة رسالة ترهيب وتخويف لعموم الشعب العراقي، الذي ذاق الأمرين على ايديهم، سواءً في السجون ام في حروب النظام العبثية!

وعادت ساحة التحرير إلى نبضها الثوري حال سقوط سلطة البعث في نيسان 2003.

ففي الرابع عشر من تموز من ذلك العام، انطلقت مسيرة كبرى للشيوعيين والديمقراطيين وكل المتضررين من النظام المقبور، منطلقة من ساحة التحرير باتجاه ساحة الفردوس.

تنفس المتظاهرون الصعداء وهو يتنفسون للمرة الأولى نسائم الحرية، ولكن سرعان ما تم خنقها مجددا، بين فكي أيتام النظام السابق والعصابات المنفلتة، ولاحقا بالتأجيج الطائفي المقيت، الذي كاد أن يلتهم الأخضر واليابس لولا نباهة الشرفاء من أبناء العراق!

وتعاقبت حكومات أخرى اغرقت البلد بالفساد المالي والاداري، وكانت سمتها الأساسية انعدام  الخدمات العامة. فصدحت حناجر المتضررين، التي لم تكل ولم تمل من انتقاد صريح لكل الفاسدين حكاما او مأمورين. وقد تم كتم تلكم الاصوات بالنار والحديد عندما انطلقت في شباط 2011، ولكنها انطلقت مجددا في تموز 2015 بنَفَس جديد، فجاءت مشاركة واسعة لشريحة مسحوقة كبيرة اكتوت بنار التهميش رغم مساهمة أبنائها في تحرير العراق من براثن داعش! وهذا ما مهد لتشكيل تحالف لم يعرفه العراق في سابق تاريخه، تحالف تبنّى بناء الدولة على اساس المواطنة والعدالة الاجتماعية. وان أية قوة تحاول إيقاف هذا التحالف السائر بهذا الاتجاه، سيلقى نهايته في ساحة التحرير،  التي ستبقى رمزا للدولة المدنية الديمقراطية الجامعة لكل أطياف الشعب العراقي!

فصوت هذه الأطياف ينادي اننا " سائرون" باتجاه التغيير رغم التهديد والوعيد!

عرض مقالات: