خطيّة هو ذاك الذي رمى العبوتين مساء الجمعة ٢٥ أيّار في الحديقة الخلفية للمقر الشيوعي وسط بغداد، خطيّة لأنه ضحية مثل قاتل جيفارا الذي لا يدري أن المقتول الفذّ قد ثار حتى من أجل تحريره هو القاتل وكذلك الذي رمى الأسلاك الملغومة على المقر فإنه لا يدري أن أهل هذا المقر هم الواصلون الليل بالنهار مُذ ثمانين حولا وزيادة من أجل سعادة الناس بمن فيهم هو المجرم.
خطيّة لأنه إرتضى أن يكون كلب صيد يرسله صاحبه ذات اليسار وذات اليسار فقط، وبات لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى.
خطيّة لأنه لا يدري أن جبّاراً مثل بهجت العطية لم يستطع ثني أهل المقر طوال أربعين عاما ملكيا صاخبا بل صار أهل المقر أعلى من أعواده وأبقى من باشواته.
خطيّة لأنه لم يسمع بجلاوزة عتاة كثر هبطوا في يوم شباطيّ أسود مستهل الستينات الآفلة لوأد الحياة وإبادة الناس ورشف ملح الأرض فغصّوا بالملح الأحمر ولفظتهم الناس وسحقتهم الحياة وحتى القطار الأمريكي الشهير الذي أقلهم إياباً حاكمين هو ذاته الذي أقلهم ذهاباً صاغرين فيما ملأ أهل المقر فضاء السبعينات حتى ارتجّ الفضاء الشاسع كله من الصوت والصدى.
خطيّة لأنه لا يدري أن رهط الشقوات الجلادين صدام وكزار والبراك وبرزان قد ملأوا الزنازين والمقابر بأهل المقر واذا بعد حين تمتليء مدائن العراق وقصباته بهتافات أهل المقر (ذوله احنه ذهب تيزاب.. ما طاغي الكدر لينه) فيما ضاقت الأرض بما رحبت على الأسياد الشقاة القساة.
خطيّة فهو يظن أن هذا المقر هو الحصن الذي يحتمي به أهله ولا يعلم أنّ الحصن الحصين هو السكن في قلوب الناس وأنّ أهل المقر قد خاضوا عقودا من الهبّات والوثبات والثورات والانتفاضات والعصيانات والتمردات والاحتجاجات دون أن يكون لهم أيّ مقر أو مبنى يعلوه علم يرفرف.
خطيّة فهو يظن أن هذا المقر هو الوحيد لأهله فأراد واهماً أن يقطع دابره ولا يدري أن مقرات أخرى وأخرى وأخرى مثل الجنائن ملأن سواد العراق عرضا وطولا.
خطيّة فهو يعتقد أنّ مقعدين فقط قد حازهما أهل المقر في الانتخابات الأخيرة كفيلان بأن تحلّ عليهم العقوبة، فكيف به اذا خفّ بنا الانتخاب عشرا؟
خطيّة لأنه لم يقرأ ما قاله الجواهري شاعر العرب الأكبر في أهل المقر:
(سلاماً: مصابيحَ تلك الفلاةِ .. وجمرةَ رملتِها المُصطلاة
سلاماً: على الفكرة المُجتلاة .. على صَفوةِ الزمَرِ المُبتَلاة ِ
وُلاةِ النضال، حتوف الوُلاة .. سلاماً: على المؤمنين الغُلاة ِ
سلاماً: على صامدٍ لا يُطالُ .. تعلَّمَ كيف تموتُ الرجالُ)
خطيّة لأنه لم يسمع الأسطورة مظفر النواب وهو يتباهى مع أهل المقر:
(هذوله احنه السرجنه الدم على صهيل الشكر ياسعود
خلينه زهر النجوم من جدح الحوافر سود
تتجادح عيون الخيل وعيون الزلم بارود
وياخذنا الرسن للشمس من زود الفرح ونزود
وعين الذيب عيب اتنام .. من اتصوفر الحيّة
خلي الدم يجي طوفان.. كلنا انخوض عبرية)
خطيّة ذاك الذي استهدف الجنينة الشيوعية ببغداد في وقت الفطور الرمضاني لأنه كان شاطراً في ربط سلكين قاتلين، نعم ولكنه لا يستطيع أن يفكّ حرفين اثنين.
خطيّة لأن غيره كان أشطر.. وخاب.