الصّقر من الطيور الجارحة، ويبني عشه على الأشجار وبين الصّخور، وتصطاد أنثى الصقر فرائسها لإطعام فراخها ولا تبقي للفراخ الضعيفة مكاناً بين فراخها بل تطعمها لها.
تعيش الصقور في جميع القارّات إلا القارّة القطبيّة الجنوبية، ولحاسة نظرها القويّة فهي ترى فريستها من مسافة بعيدة جداً وتنقضّ عليها.
للصقور أنواع عديدة، ينتشر الكثير منها في منطقة الشرق الأوسط، ويقال إنّ أفضلها هي صقور الشاهين التي يكون موطنها العراق وإيران.
يعيش الصقر قويّاً وشامخاً فهو رمز للعزّة والكبرياء، إلا أنّه قد يصاب بأمراض تؤدّي لموته في عمر مبكّر، ومن هذه الأمراض الكوكسيديا، وهو مرض يصيب الصقر نتيجة تناول وجبات غير منتظمة، أو في حال أكله فريسة مريضة، فيفقد شهيته ليموت جوعاً.
يقول العلماء إنّ الصّقر من أكثر أنواع الطيور التي تعمّر، فقد يعيش لعمر مديد، لكن حتى يعيش قرناً كاملاً وزيادة، عليه أن يتخذ قراراً صعباً عندما يبلغ منتصف العمر، إذ سيكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الخنوع وانتظار الموت رويدا رويدا، وإما أن يتجدد مرة أخرى ويعود صقراً شاباً قوياً لعمر جديد، فحين يبلغ كهولته، تدب المرونة والضعف في مخالبه فيما منقاره الحاد يصير معقوفاً ومنحنيا، وتثقل عليه حتى أجنحته فيصعب عليه الطيران، وهنا يكون أمام الخيارين الصعبين، ولكن ليتخذ قراره الجريء ويختار (التجديد) عليه أن يطير إلى عشه في قمة الجبل، ويكسر منقاره بصخرة قوية ثم ينتظر لينمو له منقار جديد، وعليه أيضاً أن يكسر مخالبه الضعيفة لتنمو مكانها مخالب قوية، ثم أن يقوم بنتف ريشه الثقيل بانتظار ريش جديد، وهذا يعني أن يتحمل العذاب والألم لما يقارب أشهراً خمسة، فإن نجا فإنّه يعود صقراً قويّاً ويعيش عمراً مديداً آخر وبكامل شبابه.
وكذا هو الحزب الشيوعي العراقي الذي بمآثره الثلاث الكبرى حافظ على شبابه الدائم وتخلص مما علق أو تعلق به فجدد نفسه وعاد من جديد صقراً شاباً قوياً لعمر جديد مديد.
أولى المآثر هي في عقده عام ١٩٩٣ مؤتمره الوطني الخامس تحت عنوان (الديمقراطية والتجديد)، وحقاً كان ديمقراطيا ومجددا، وطغى هذا المبدأ المجيد على عمله اللاحق كله في وقت كانت أحزاب وأحزاب تخشى من اسم الديمقراطية وترتجف من خيال التجديد.
وثانية المآثر هي في اجتراحه العمل في العملية السياسية بعد ٢٠٠٣ ، على ما لها وعليها، بما شكّل إضافة نظرية نوعية، وكان نهجه هذا في قمة الصواب السياسي عندما كان رجالات القاعدة الأوباش وأزلام النظام المقبور فقط هم من أعلنوا حرباً غير مقدسة ضد العملية السياسية الجديدة، وعانى الحزب بسبب موقفه هذا ما لم تعانه الصقور جميعها لأن أحزاباً شقيقة لم تستطع أن تفكر وتحلل بعقل علمي مركّب مثل حزب فهد.
وعافية المآثر هي ثالثتها التي تجلّت في تشكيل قائمة مع حاملي فكر السيد الصدر وقوى مدنية وليبرالية تحمل اسم (سائرون) في خطوة سياسية تاريخية لا نظير لها في تأريخ العراق السياسي، اذ التقت هذه الأطياف القزحية في قوس تحالف انتخابي يحمل مطالب الكادحين، وينادي بالمدنية والمواطنة والعدالة الاجتماعية، ويرفل بالوطنية الحقة، ويتناغم مع تعريف غرامشي بأنه تحالف يحمل رؤية جديدة متغاضية أو مخففة من التناقضات الأساسية بين أطرافها التي تجمع اليسار باللاهوت المتنوّر وتتوحد حول نقاط برنامجية قادرة على استقطاب فئات وطبقات المجتمع وقواه حول هدف واحد.
وهنا نطّ بهلول من مكانه وقال:
- لا عاب حلگك أبو الغرامش، والله هذا اللملوم اللي جمع داعش والطائفيين والفاسدين مو أهوّن من موسوليني ولا أقلّ فاشية منه.. والنِعم من (سائرون) وأهلها اللي يغنون:
{تشهد بينه من ذاك الوكت لليوم دنيتنه
أبد ما ردت اجدام العزم بينه
ولا خفتت مواگدنه
وهاي الشمس تضوي بنور چلمتنه
بگول وفعل ذوله احنه
تشبه صفة الفالات صفتنه}.