حين انطلقت شرارة انتفاضة آذار ١٩٩١ في البصرة ضد نظام الطاغية صدام، بعد انسحاب قطعات الجيش العراقي من الكويت، تلقفت الناصرية الشرارة وزادتها توهجا، ونقلتها مثل شعلة اولمبية الى بقية المدن الجنوبية. كانت ردة فعل ازلام النظام ازاء رجال الانتفاضة وعوائلهم في الناصرية وحشية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولم يكتفوا بالاعتقالات والتعذيب، بل راحوا يبتكرون طرقا جديدة للاعدام، منها وضع المنتفضين داخل حفرة وتعليق اجهزة “ ديناميت” في رقابهم وتفجيرهم عن بعد، او دفنهم احياء!
الناصرية، التي نفضت عنها ظلم النظام السابق، كانت وما زالت عراقا مصغرا بكل اطيافه، وهي التي اهدت العراق عددا هائلا من الطاقات الفنية والادبية والثقافية، ورجالا في السياسة غيروا في بنية العراق السياسية والاجتماعية والثقافية.
ولعل ابرز هؤلاء رجل مسيحي جاء من شمال الوطن في نهاية عشرينيات القرن الماضي، ليعيش في هذه المدينة كعامل ثلج، وسرعان ما تآلف مع اهالي الناصرية فاحبهم واحبوه. انه الرفيق الخالد فهد (يوسف سلمان يوسف)، احد اهم دعاة الفكر الجديد ( الماركسية) ومؤسس الحزب الشيوعي العراقي. ومنذ ذلك الحين اصبحت الناصرية بؤرة للنشاطات الثورية والانسانية، ولم تبخل على العراق بطاقاتها الخلاقة من الرجال والنساء! وها هم احفاد الرعيل الاول يقفون بشجاعة في وجه الحكومات الفاسدة، خاصة الشباب منهم الذين حولوا ساحة الحبوبي الى “ كومونة الناصرية السلمية” رافضة منظومة الفساد التي حولت الوطن الى خراب في كافة مجالات الحياة.
لقد روّت دماء الشبيبة ارض الناصرية كما سبق أن روَى اجدادها واباؤها هذه الأرض الطيبة. ولن تذهب سدى هذه الدماء!
النظام الملكي اعدم فهد ورفاقه، ونظام البعث في عهده الاول عام 1963 وفي عهده الثاني بعد 1968, اعدم العديد من ابناء هذه المدينة، واصبح الشهداء نجوما ساطعة في سماء العراق، بينما العار بقي يلاحق القتلة في جحورهم وقبورهم!
لا تيأسوا يا شباب الناصرية، فالباطل لن يدوم ولا بد للعدالة ان تسود. انه قانون الطبيعة، والشعب الذي تدافعون عنه سيجعلكم وساما يضيء على صدره.
اما من يعادي شعبه فلن تليق به سوى مزابل التاريخ وهي كثيرة!