مالذي يجبر المسؤول على الكذب، إذا لم يكن يستطيع الوفاء بوعوده ؟ أم أنها فكرة غوبلز: كذّب وكذّب حتى يصدّقك الآخرون؟!

قبل أكثر من شهر وخلال أزمتي المستمرة مع الإيجارات، انبرى احد الزملاء ساعيا، عسى ولعل أن يوفر لي حلا. ذهب إلى احد البرلمانيين وشرح له حالتي، فوعده ذلك البرلماني خيرا ووضع الشمس في يمينه. فأبلغني الزميل فرحا أن أزمتي ستنتهي خلال أيام وأتخلص من الإيجارات ومحنتها. ومثله انبرى آخرون: هذا يقول كلّمت المحافظ، وذاك يقول تحدثت مع فلان والخ، حتى زارتني أحلام اليقظة باني حصلت على مأوى يلمّني وعائلتي بعيدا عن همّ الإيجارات والمشاكل مع أصحاب البيوت!

كل هذه الأحلام والوعود والكلام المعسول ذهبت أدراج الرياح، وتبين ان كل ما قيل كان تخديرا لي فقط، شأن غيري من المخدّرين بوعود المسؤولين هنا وهناك!

لو أحصينا كلمات ووعود مَنْ جلسوا على الكراسي متسيّدين على رقاب الناس بالصدفة، وصاروا مسؤولين ــ لم أقل منذ 2003 فقط، بل وما قبلها ــ وحسبناها حساب عرب كما يقال، وبحثنا عن نسبة الوفاء بها، حتى بقدر حبّة الحنطة، لما وجدنا أثراً لها. كلّهم يكذبون للأسف، يقولون ما ليس لهم به علم ولا نية وفاء، ولا حتى استعداد نفسي لتقديم الخير للناس، كي يكونوا أوفياء أمام أنفسهم قبل كل شيء. لكن هيهات وأنّى لهم ذلك وهم معجونون بالفساد والغش وخداع الناس!

لو تحقق ما يعادل ذرّة رمل مما قالوه ووعدوا به المواطنين، لكنا الآن في أحسن حال، وبلدنا يضاهي البلدان المتقدّمة في الازدهار والخير والمحبة والاقتصاد القوي!

لكن الحال على العكس، من حروب ودمار وتشريد واعتقال إلى فساد وإرهاب وقتل وأزمات متزايدة، واقتصاد مرتبك ومنهار، وانعدام مقوّمات الحياة، وتأخر رواتب الموظفين والمتقاعدين. وهذا لا يحصل في أيّ بلد مهما كان اقتصاده ضعيفا. فنحن نواجه التلكؤ في الزراعة والصناعة وقد تحوّلنا من منتجين إلى مستهلكين، والأزمات لا حصر لها من كل جانب، والشعب ينتفض فيُجابَه بالنار والحديد والقتل والاختطاف. الأسىً يسكن النفوس بسبب ما يحيط من انفلات امني واحتراب طائفي ومناطقي وعشائري، في غياب سلطة القانون والردع الحقيقي!

ورغم كل شيء فان الناس، خاصة الشباب، يرفضون اليأس والاستسلام ويصرون على مواجهة الواقع المؤلم الذي اوصلنا اليه المتنفذون المتحاصصون الفاسدون، وعلى انتزاع حقوقهم  بايديهم وبنضالهم ولسان حالهم يقول: ما ضاع حق وراءه مطالب!