ذات ليلة اختلفتُ في وجهات النظر مع أحد الزملاء ، ووصل نقاشنا إلى أعلى حدّته ، ما دعانا إلى التنابز ببعض الكلمات المغضبة لكلينا ، لكنني عند تباشير الصباح أرسلت له رسالة اعتذار عن سوء الفهم الذي حصل بيننا ، ودعوته إلى نسيان كل شيء ولنسامح بعضنا.

 قابلني بجفاء شديد وحذف صداقتي ورقم هاتفي ، وكأننا لم نكن صديقين ذات يوم ، واخذ يتحدّث هنا وهناك عن هذه الحادثة العابرة ، معرباً عن غيضه ومجاهراً بعدم مسامحته لي ، رغم مسامحتي له في تلك الرسالة. تركته وقلت في نفسي سيدرك ذات يوم أننا لم نختلف أبداً ــ لم أقل أنا عاقلاً ، بل مسامحاً لأنني أريد للتسامح أن يسمو بيننا دائماً.

سقت هذه الحكاية وأنا أشاهد بأمِّ عيني ما آل إليه وضعنا ، حيث لم نجعل للتسامح مكانا في قانون حياتنا ، بل أخذتنا العزّة بالإثم ، ورحنا ننبش ثأراً هنا وحكاية هناك ، ما أنزلنا إلى حضيض الجحيم الاجتماعي ، وأشاع الخراب والموت في بلدنا!

كلّنا نعرف نيلسون مانديلا ، الرجل الذي ذاق مرارة السجن والتعذيب طويلاً على أيدي المتسلطين على بلاده والجاثمين على صدرها من العنصريين البيض. لكنّه ما أن تنسّم هواء الحرية وجلس على كرسي الحكم ، حتى أشاع لغة التسامح والمحبة بين الجميع ، وتحديدا مع مَنْ ظلمه وعذّبه وسجنه ، ما حدا بالآخرين إلى إعلان الولاء والمحبة له كلياً ، فانفتحت مصاريع البلاد على الخير والبناء ، واستطاع أن يبني دولة متقدّمة يسودها الوئام !

الكراهية والغلّ لن يبنيا مجتمعا سعيداً يسمو بالخير، سيظل الكل يرزح تحت نير الصراعات غير المنتهية !

وهناك مَنْ يريدنا أن نفترق ونتحارب بشتى الوسائل ليظل مسيطرا علينا وينهب خيراتنا ، لا تلتفتوا إليه ولا تصغوا لكلامه !

وهناك مَنْ لا يريد لبلدنا التقدم والبناء ، لا تستمعوا إليه ، بل استمعوا إلى صوت الحق ، والمحبة ، والوئام ، ونبذ التخاصم ، ولنكون إنسانيين في كل شيء ، لأن الإنسانية مصدر سعادة البشر وراحة بالهم، ولنجعل من قلوبنا وضمائرنا ونفوسنا بساتين تسامح ونكران ذات، ونرفع شعار التسامح كونه سمة عظمى ومن أنبل سمات البناء والعمران والسعادة بين الشعوب !

لن تُبنى الأوطان بالحقد والتفرقة أبدا ! ولن تُبنى بتأجيج الثارات والتقاتل، لأن الجرم يولّد جرماً ، ولا يعالج الخطأ بالخطأ ، فعندها ستكثر الأخطاء ويكون التصحيح صعباً فيحترق الأخضر واليابس معاً ، وقديما قالوا : العقل زينة. وزينة العقل التسامح!