عاش افلاطون قبل الميلاد بثلاثة قرون، ومنذ ذلك التاريخ وهو يحلم بتأسيس مدينة فاضلة يحكمها الفلاسفة، باعتبارهم اصحاب الحكمة والفضيلة والرأي السديد، ولانهم يتصفون بالزهد والنزاهة وحب الخير للجميع.

 وتحدث افلاطون كثيرا عن سمات مدينته الفاضلة، التي لا تبتعد عن تلك التي يحلم بها نشطاء المجتمعات المدنية في هذه الايام، والمتمثلة بالتالي: تقديم الخدمات لكل من يوجد على اراضيها،  وبأسلوب حضاري بعيداً عن التهميش والروتين!

والمدينة الفاضلة - الحلم تخلو من كل سلبيات مدننا القائمة، الغارق بعضها في الفقر والفاقة والجهل! وهي تختلف ليس في المظهر العمراني فقط،  بل في كل شيء على المستوى الحضاري والسكاني والأداء الخدمي.

والمدينة الفاضلة مقترح لمدينة أساسها الإنسان نفسه، سواء كان مسؤولاً أو موظفاً أو عاملاً أو فلاحا او كاسبا، كبيراً كان او صغيراً، رجلاً أو امرأة،  وهي تتسم بالوعي والرقي وبحرية الرأي والتفكير.

بعد رحيل افلاطون تبنّى الفكرة تلميذه  ارسطو طاليس (ولد ٣٨٤ ق.م. ويعد من اهم مؤسسي الثقافة الغربية)، الذي بذل جهودا مميزة للتنظير في الثقافة والشعر والفن وبالاخص المسرح، حين كانت العروض المسرحية تشكل جزءا مهما من حياة العامة باعتبارها “طقوسا” تؤدي الى تطهير النفس البشرية من ادرانها، وتمنح الفاعل فيها والمتلقي معا، متعة روحية لا تضاهيها متعة! حتى اصبح الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص “ دالة” حضارية، بحيث يقاس تطور الامم بمدى تطور المسرح لديها، معمارا ونشاطا.

وراحت الامم التي استطاعت ان تبني حضارات مهمة، تعير اهتماما كبيرا لهذا الجانب منذ الاغريق، ووصولا الى الدول الحديثة التي راحت تبني وتنمّي في نفوس ابنائها حب الفن واحترام الفنانين.

وفي الدول المتطورة، ومنذ عقود، لا تكاد تجد مواطنا اوربيا سويا لم يحضر عرضا مسرحيا او فيلما سينمائيا او حفلا موسيقيا! ناهيك عن اهتمام هذه الدول بالدروس الفنية في المدارس، على مختلف المراحل، من رسم ومسرح وموسيقى وغيرها.

اما نحن في بلادنا العربية والاسلامية فما زلنا نختصم بشأن هذه الانشطة، هل هي جائزة شرعا ام لا؟!

وعلى سبيل المثال لا الحصر، توزع بلديات المدن الفرنسية في مناسبة اعياد الميلاد، معونات اجتماعية للعوائل ذات الدخل المحدود، تحتوي على معلبات غذائية وخبز واجبان ومشروبات روحية وتذاكر لصالة سينما او مسرح على عدد افراد العائلة.

فلماذا يضع المسؤولون في هذه البلديات تذاكر سينما ومسرح مع المواد الغذائية؟!

الجواب ببساطة: لا نهم يعتقدون ان شأن الفن والثقافة شأن الشراب والطعام، فليس بالخبز وحده يحيا الانسان!

عرض مقالات: