رغم الحظر، والرعب من الجائحة، الاّ إنه كان يسير في الشارع يدندن باغنية لفيروز، وهو يتصبب عرقاً.. في الجانب الاخر اطفال شبه عراة يلعبون بمياه آسنة وكأنهم في مسبح.. على البعد جلس شيخ عجوز يمسح وجهه ورأسه بمنديل وهو يتذمر من شدة الحر، وهناك امرأة تمسك “مهفة” خوص تهفهف بالهواء يمينا وشمالا.. رضيع يبكي، وقطة تموء، والمراوح تشكو السكون!
مرضى وعمّال بناء وكلاب تلهث واشجار تنوء بحملها.. الكلّ في شغل شاغل وأزمات لا تنتهي، والكلّ يتأفّف ويلعن الفساد والفاسدين!
الكلّ يتذمّر ويتضوّر ويتأوّه ويتوجّع وينفث دخان حريقٍ اشتعل في قلبه!
بين الدخان وهذه القلوب ثمّة سلكٌ معطوب...سلكٌ يشكو الاهمال، وآخر يشكو الافلاس، وثالث يشكو ظلم ذوي القربى.. والكهرباء تبقى الحلم المؤجّل دائما!
حلمٌ لم يكتمل بعد، فالسيناريو يحتاج الى لمسات اخرى.. والاستوديوهات لم تفتح ابوابها بعد، والمخرج يتنزّه على شواطيء دجلة المليئة بالقمامة والجثث.. يحكي عن مأساة مياه شط العرب التي امتزجت باللسان الملحي القادم من الخليج، واشجار الحنّاء التي ما انفكت تعاني الظمأ.. والكلّ في شغل شاغل!
شاغلهم الوحيد هو الكهرباء مثلما يقال، وجوّ البصرة لاهب.. لا يتحمله ايّ كائن الّا الذين عجنوا من طين هذه المدينة ــ من (دهلتها) تحديدا ــ وذاقوا اصناف العذاب طيلة السنوات الماضية .. ولكن الى متى؟! الى متى؟؟ الى متى...؟؟!!
الكهرباء صارت هاجسا مؤرّقا.. وقلقا لن يبتعد عنّا ابدا.. في البيت، في الشارع، في المستشفى، في المؤسسة الحكومية، في السوق، في المقهى.. والادهى والامرّ في المدارس ايام الامتحانات ايضا..
و(حبيّتك بالصيف .. حبّيتك بالشتي).. بين الحب والحقيقة ثمة هواجس وخواطر ومتاعب وحكايات وآلام لا حصر لها ..!