يتفق الجميع، نقادا ومختصين، ومنذ العرض المسرحي الاول في التاريخ، سواء كان في اليونان الاغريقية القديمة ام في مصر الفراعنة او في حضارة وادي الرافدين، على ان المسرح يقف بشكل اساس على قدمين: الممثل والمتفرج، وبدونهما لا يمكن ان نتحدث عن عرض مسرحي.

الممثل او المنشد هو اداة التوصيل للاخر حاملا له “الرسالة” او “الرسائل” لكي تتم عملية “التطهير” التي تعد الهدف المرجو من العرض المسرحي في قالبه التاريخي القديم، عندما كانت الطقوس وهاجسها الديني تشكل الشغل الشاغل للناس.. ومع نزول التراجيديا على الارض على يد الكاتب الاغريقي يوريبيدس، بعد ان كانت محلقة في سماء الغيب والوهم، وما اعقب ذلك من تطور عبر الزمن، حيث جعل الكاتب الاغريقي الثاني سوفكليس التراجيديا تسير على قدميها، وتراقب وتناقش هموم الناس. ومن هنا تحول مفهوم “التطهير” من معناه الديني الى مبتغاه الدنيوي! وبالتالي تحميل الفنان مسؤولية جديدة تنحصر في فتح افاق التفكير للمتلقي، واعادة تكوين الوعي لديه بما ينسجم مع الرسالة الانسانية التي يحملها ذلك الفنان.

بقيت هذه الاساسيات كما هي حتى نهاية العام المنصرم ومطلع هذا العام 2020، عندما جاء وباء كورونا ليقوض انظمة وحكومات وقوانين واساليب حياة سار عليها البشر منذ زمن بعيد جدا. وبموازاة ذلك سبق إن ساد تطور خطير في اساليب التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي دخلت المسرح من اوسع ابوابه، باعتباره جامع الفنون.. وهذا ما اثر لاحقا وبشكل ايجابي على مكملات العرض المسرحي، وبالاخص السينوغرافيا، التي يمكن ان تبهر المتفرج بالوانها ودقة تنفيذها ومدى عكسها اجواء العرض، مع البيئة التي تجري فيها الاحداث. او الرسالة المراد ايصالها من قبل المصمم او المخرج.

ولم يستطع المرئي (التلفزيون) او السينما ان يسرقا من المسرح جمهوره، بالرغم من ان التلفزيون ومنذ عقود راح “ينقل” العروض المسرحية الى العوائل داخل بيوتهم، ولكن بطريقة اخراج تلفزيونية لا تمت بصلة الى زاوية نظر المشاهد داخل قاعة المسرح! فالفضل الوحيد للتلفزيون يتمثل في كونه ربما يساعد في الترويج للمسرح، اما غير هذا فهو “باطل” فنيا!

الوباء اجتاح الكرة الارضية وعطل الحياة مؤقتا، وهذا يمنحنا فرصة مراجعة ما قدمناه طيلة عقود، وتدارس امورنا المسرحية واقامة ندوات ودورات فكرية وربما ورشات فنية بما ينسجم وحاجاتنا المسرحية، على شبكات التواصل، مع المحافظة جهد الامكان على التباعد الاجتماعي الضروري واللازم، لتفادي التلامس ونقل العدوى.

ولكن ان نقدم عرضا مسرحيا عبر الانترنيت، بدون حضور الطرف الرئيس وهو الجمهور، فهذا ضحك على الذقون، وعرض خارج التغطية!

سموه ما شئتم، لكن لا تسموه مسرحا، لانه آوت لاين!

عرض مقالات: