كان ما ادلى به السيد ثامر الغضبان نائب رئيس الوزراء ووزير النفط قبل أيام لبعض وسائل الإعلام، التصريح الاوضح والاجرأ حتى الآن بخصوص ما تخفيه الحكومة من توجه لتخفيض رواتب منتسبي الدولة، حيث قال ان مرتبات الموظفين ستدفع بشكل كامل في الشهر الحالي، وان هناك توجها لتقليصها خلال الاشهر القادمة.
بهذا كشف بصريح العبارة ما سبق ان نبهنا الى مغبته، وحذرنا من تحميل الفئات ذات الدخل المحدود تداعيات الازمة المالية.
وكانت جريدة "الصباح" الحكومية قد نشرت في ٢٠/٤/٢٠٢٠ خبرا مفاده ان "العراق يدرس خفض رواتب القطاع العام ٢٥٪ بسبب تراجع أسعار النفط". وكان لهذا الخبر الصادم صدى واسع، ولكن الأمانة العامة لمجلس الوزراء نفته في اليوم ذاته، قائلة في بيان: "تنفي الامامة العامة لمجلس الوزراء التصريحات المتداولة بشأن تغيير نظام الرواتب الحالي، او الاتجاه نحو الادخار الاجباري، او تخفيض رواتب الموظفين".
والملاحظ ان البعض من المسؤولين يداهن حينما ينفي موضوع تخفيض الرواتب، في محاولة لأيهامنا بصدقه وهو يؤكد أن الرواتب لن تمس، وهو يقصد بذلك ان الرواتب الاسمية لن تمس، ويخفي حقيقة التوجه الى خفض المخصصات التي تشكل الجزء الأكبر من الراتب الفعلي. وهكذا لم يدم التكتم على ما تخفيه الحكومة من توجهات، جوهرها ترحيل اعباء الازمة المالية وإلقائها - كما هي عادة الأنظمة الظالمة - على أكتاف الطبقات والفئات الاجتماعية، التي هي احوج ما تكون الى تحسين أوضاعها المعيشية، نظرا الى الازمات المعيشية وآثارها الكارثية على حياتها وعلى الصحة والتعليم.
مؤكد ان هذه الحكومة لا تتحمل وحدها ما أنتجته الأزمة الاقتصادية والمالية، التي تعزى أسبابها الى عوامل عديدة، تتصدرها وجهة الاقتصاد الأحادي التي إعتمدتها الحكومات المتعاقبة منذ التغيير في 2003 حتى الآن. إذ يعتمد الأقتصاد العراقي على إستخراج النفط وبيعه، دون تبني إستراتيجية إقتصادية تقوم على اساس التنمية المستدامة، وتعتمد على بناء وتطوير الصناعة والزراعة باعتبارهما عصب الحياة الاقتصادية الحقيقي. وجعلت الاقتصاد العراقي يعتمد على استيراد حتى أبسط الأشياء التي كان للعراق باع في إنتاجها! ومفهوم ان الهدف من ذلك هو تعطيل الاقتصاد الحقيقي عندنا، ودعم اقتصاديات دول الجوار، الى جانب ما يوفره هذا التوجه لاستيراد كل شي من غطاء لصفقات الفساد التي إستنزفت موارد العراق، وها هي تترك شعبه اليوم يعاني لتأمين الحاجات الأساسية للمعيشة.
ان لمعالجة الأزمة المالية طرقا كثيرة، ليس بينها بالضرورة القضم من دخول أصحاب الدخول الواطئة، اذا كانت هناك إرادة للتوجه الصحيح نحو تخفيف أعباء الأزمة. ومن بين هذه الطرق إجبار كبار الفاسدين على إرجاع ما نهبوه من المال العام، والمباشرة بمعالجة القضية التي يبدأ حلها بـالسؤال "من أين لك هذا؟" وينتهي بتخفيض رواتب كبار موظفي الدولة، وإلغاء امتيازاتهم، ووقف إيفاداتهم، وتقليص الميزانية التشغيلية للدولة، ووضع حد للانفاق الإداري الباذخ.