يوما بعد آخر تبرز على نحو جليّ حدة الازمة المتفاقمة في بلادنا، وهي بالقطع ليست عابرة او مرتبطة بظرف آني، إنما أزمة بنيوية عامة شاملة. وقد تُفاقم حدتها عوامل أخرى مضافة تدفع بها الى المزيد من الاستعصاء ، كما يحصل الان بفعل تفشي وباء كورونا ، والهبوط الكبير في أسعار النفط عالميا.
انها ليست أزمة طارئة كما يريد ان يصورها البعض، او انها مجرد أزمة تشكيل الحكومة واختيار رئيسها. فهي كما قلنا شاملة، وليدة للمنهج وطريقة الأداء ونمط التفكير. ومثلها الشخوص والكتل السياسية التي حكمت البلد وهيمنت على القرار منذ ٢٠٠٣ حتى الآن.
وعبثا يحاول البعض القاء مسؤولية ما يجري على عوامل طارئة، والتهرب من الوقوف الجدي عند دوافعها الأساسية . علما ان هذا التهرب هو مناورة ومحاولة جديدة للف والدوران والتنصل عن تحمل مسؤولية ما جرى ويجري، بما فيها مسؤولية الدماء التي سالت من المنتفضين، وهو تسويف هدفه احتواء الموقف وتدوير الأزمة بدلا من الذهاب الى حلول جدية لها. وقد أصبح هذا واضحا على الخصوص بعد ان عرَّت الانتفاضة الشعبية ذلك ، وسلطت الأضواء على حقيقة الأمور ودور ومسؤولية الحاكمين المتنفذين .
البعض سعى تحت ضغط الانتفاضة الى التكيف مع المستجدات من دون قناعة بذلك طبعا، او رغبة في مراجعة جادة. ومن هنا انحصر بعض المعالجات باجراءات شكلية لا تمس جوهر القضايا والمشاكل، وتستهدف تعمية حقيقة الأوضاع ، ولعلها اقرب الى " طأطأة الرأس حتى تمر العاصفة " .
وهذا ما يجري الآن ضمن مسلسل درامي غير محبوك لاختيار رئيس الوزراء ، مع تصوير الامر وكأن واقع الحال سيتغير بعد الاختيار، وستُقبل الدنيا على العراقيين نعيما ورخاء!
والانكى ان يصر هذا البعض رغم الطوفان الذي حصل، على التمسك بذات المنهج الفاشل بكل المقاييس، او ربط اختيار رئيس الوزراء بحل مشاكل الكتل السياسية، على حساب قضايا الشعب ومطالب المنتفضين .
وهذا يؤشر من جديد حالة الانفصام الحاصل بين هؤلاء وبين الغالبية الساحقة من الشعب، وان هذا البعض لا يريد إدراك ان مياها جديدة قد تدفقت في مجرى النهر، وانه بسلوكه هذا يلحق كل يوم اذى كبيرا بشعبنا ووطننا .
ان هذه القوى بسلوكها واصرارها على تقديم مصالحها، انما تزيد من حدة السخط والتذمر، وهي واهمة إن اعتقدت ان " احتواء " الانتفاضة سيشكل طوق نجاة لها. فالمؤشرات حتى اللحظة تبين ان الانتفاضة حتى وان خفتت او تراجع زخمها، لسبب او لآخر، فانها لابد منفجرة في الغد نظرا الى بقاء دوافعها وعواملها، وانها قد تأخذ ابعادا جديدة وغير مألوفة.
ما زال المخرج السلمي الدستوري قائما وهو الأسلم والأساس ، شرط الاستجابة لارادة الشعب والمنتفضين، فيما الحراك الاحتجاجي سيبقى مطلوبا لتحقيق ذلك وفرضه على المتنفذين .
اضاءة.. " التذاكي" لا يحل الأزمات !
- التفاصيل
- محمد عبد الرحمن
- آعمدة طریق الشعب
- 2826