"كريم" شخصية شعبية يمتلك حانوتا لبيع كل ما يحتاجه المواطن مدينته التي ما زالت اقرب للقرية منها للمدينة..كان كريم كريما بقفشاته وبنكاته لينثر البسمة على من يمر به.

وكان هناك رجل قروي اشترى من كريم مسحوقا لمعالجة " البرغوث "  الحشرة التي تؤرق نوم الفلاحين حيث تنشط ليلا وتقوم بلسع النائم في اماكن حساسة، تدفعه للاستيقاظ والبحث عنها!

لم ينفع مسحوق كريم في معالجتها، فعاد اليه يشكوه عدم صلاحية دوائه في القضاء عليها بالرغم من رش زوايا الغرفة ومحيطها بالمسحوق. فقال له كريم بانه يجب ان يجتهد في استخدام الدواء وذلك عن طريق مسك البرغوث ووضع المسحوق مباشرة في فمه!! فاجابه الفلاح بانه اذا استطاع مسك البرغوث فما حاجة الدواء " افرك خشمه واقلع اسنانه"!

سنوات مضت وشرفاء هذا الوطن يصرخون ويطالبون بحصر السلاح بيد الدولة، والدولة نفسها ممثلة بسلطاتها الثلاث تصرخ ايضا معهم وتطالب بنفس المطلب!!

اذا كانت الدولة ترى السلاح منتشرا مثل البراغيث وتطالب بحصره في يدها، فمن غيرها يمتلك القدرة على نزع هذا السلاح من المجاميع المسلحة خارج الدولة؟!

ربما كان سكوت الدولة عن هذا المطلب في مرحلة سابقة، لاسباب تتعلق بالوضع الامني للبلد، مبررا، نظرا لانشغالها في محاربة أعتى قوة ارهابية ممثلة بداعش، ومن لف لفها من قوى ارهابية تكفيرية، انتشلتها القوى الامبريالية من مزابل التاريخ وأعادت انتاجها! واستطعنا الانتصار عليها عسكرياً بفضل " اولاد الملحة" والقوى العسكرية والامنية بمختلف فصائلها، لكن بقي من المعركة جوانبها الفكرية والاعلامية والاجتماعية والاقتصادية، التي تحتاج لشحذ الهمم من اجل تنظيف المجتمع من ادران الثقافة الداعشية.

وللاسف لم يتوج النجاح على داعش بنجاحات موازية في البناء، فبقيت اسس الخراب المروع في تهديم كيان المجتمع والدولة على حد سواء، خاصة المحاصصة والفساد لينخرا اخر ما تبقى من امكانية وضع البلد على السكة الصحيحة. وضاعت الفرصة على الشباب من ابناء الملحة، واولادهم الذين ضحوا بارواحهم في المعركة مع داعش، ان يجدوا فرصة عمل لائقة توفر لهم ولعوائلهم لقمة عيش كريمة. وحين نفد صبر هؤلاء الشباب وخرجوا في تظاهرات عارمة، ظهر مجددا "البرغوث" الذي لا يلسع بل يصيب مباشرة في مقتل مؤكد من خلال امتلاكه لسلاح منفلت تحت مسمى " الطرف الثالث"!

الجميع يخشى تسمية هذا الطرف، بما فيها الحكومة، في حين لا ينفع معه الا تكاتف الجميع مجددا من اجل حصر السلاح بيد الدولة.

الكارثة الكبرى اذا ما اكتشفنا مستقبلا ان الطرف الثالث هو جزء من الدولة!

يعني حاميها حراميها!

عرض مقالات: