تعد مكافحة الفساد واسترداد الاموال المهربة الى خارج البلاد من أخطر المهمات التي تواجه الحكومات العراقية اذا توفر لديها الاستعداد الكامل لمواجهة التحديات والمعوقات التي تواجه تحقيق تلك المهمات وهي صعبة ومعقدة بكل تأكيد بالنظر الى ارتباط جرائم التهريب وعمليات الفساد بالجرائم والانشطة الاجرامية العابرة للحدود.

ان مناقشة هذه الموضوعة المفصلية في اعادة الاصول الوطنية لا يمكن الغوص في ابعادها المالية والتشريعية ما لم تجر مناقشة ظاهرة الفساد ومنظومته التي تكاملت اركانها منذ ان تم الشروع في بناء النظام السياسي المكوناتي  القائم على اساس المحاصصة الطائفية الاثنية والتي  لعب ممثلوها السياسيون في السلطات الثلاث دورا كبيرا في تقاسم الثروة والدخل  فأنشأوا نظامهم الخاص من خلال لجان اقتصادية  في كافة الوزارات  ومنها على سبيل المثال استغلال نافذة البنك المركزي للهيمنة على  السياسة الاستيرادية وتنشيط عمليات غسيل الاموال والتلاعب بالموارد الضرائبية التي انخفضت في هذه النافذة من 10 تريليونات الى تريليون واحد سنويا ، زائدا على توزيع المشاريع بين اطراف هذه المنظومة لنهب تخصيصاتها المالية عبر الموازنات السنوية ومن ثم الانتقال الى تهريب هذه الاموال الى الخارج واستثمارها هناك بأشكال مختلفة.

لقد استشرى هذا الفساد على نطاق واسع بالرغم من كثرة الاجهزة الرقابية والتي تشمل ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين بالإضافة الى مكتب منسق رئيس الوزراء والمجلس المشترك لمكافحة الفساد ومكتب غسيل الاموال في البنك المركزي وعلى رأس جميع هذه الهيئات البرلمان. وكل هذه الجهات عجزت عن الحد من انتشار هذه الافة الخطيرة. رغم الاجراءات التي اتخذتها في مكافحة هذه الافة من مؤتمرات وورش وتدريب خارج العراق ولكن نتائجها تشير الى اتساع الظاهرة.

وعلى الرغم من قيام هيئة النزاهة بالتنسيق مع وزارة العدل العراقية والبنك المركزي وهيئة المساءلة والعدالة ومكتب المفتش العام في وزارة الخارجية ودوليا مع الشرطة العربية والدولية (الانتربول /منظومة النشرات الدولية) ومكتب الامم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي الا ان هذه الجهود لم تسفر عن نتائج ملموسة تتناسب مع حجم الاموال المهربة التي تقدر بنصف الميزانيات للفترة الماضية بسبب حجم الفساد المتنامي في الداخل وقلة البيانات عن اماكن الاموال المهربة.

ان الوصول الى الاموال المهربة يتطلب تحقيقات موسعة تقوم بها مؤسسات على دراية كاملة بطرق الفساد واشكاله المتعددة، الفردية والمنظوماتية، والاستعانة بمكاتب تدقيق عالمية واسعة الخبرة كما تحتاج الى دور اكبر للقضاء العراقي واحيانا اللجوء الى القضاء الاجنبي واصدار القرارات القطعية لتكون وثائق دامغة وفعالة تعتمد عليها المؤسسات الدولية المتخصصة باسترداد الاموال.

ان ما يساهم في تعقيد هذه المشكلة خلو التشريع العراقي من قانون خاص او نصوص قانونية ضمن القوانين النافذة تنظم اجراءات استرداد الاموال بالاستناد الى الالتزامات التي تفرضها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي يشكل العراق طرفا فيها.  ولأجل تسهيل مهمة استرداد الاموال المهربة نقترح التالي:

  1. الاستفادة من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي اوجدت طرقا استثنائية لاسترداد الاموال يمكن اللجوء اليها في حالة استنفاذ الطريق الجنائي المبني على الادانة ويتمثل هذا الطريق في المصادرة دون الاستناد الى حكم الادانة في حال تعذر الادانة مثل وفاة الجاني او الهرب او الحصانة.
  2. حيث ان المشرع العراقي قد نظم في قانون مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب الية تنفيذ الاحكام الاجنبية بمصادرة الاموال المطلوب استردادها وتنفيذها ومنح السلطات المختصة بتنفيذها وفق الاتفاقيات التي يكون العراق طرفا فيها ولكن من الضروري تعديل هذا القانون بحيث ينص على تحديد السلطات التي تختص بتنفيذ طلب المساعدة القانونية.

3. بالإمكان الاستعانة بالشركات الاجنبية التي تتولى متابعة تنفيذ استرداد الاموال المهربة مقابل عمولة شريطة صدور قرارات قضائية عراقية مكتسبة درجة البتات بإدانة المجرم ومثل هذه القرارات تتطلب تحقيقا موسعا يوفر الادلة الكافية لإثبات جريمة التهريب عن طريق الاختلاس او غسيل الاموال وما شابه. 

عرض مقالات: