يتفق المؤرخون والمختصون على ان المسرح، الذي خرج من عباءة الدين، كان وما يزال معيارا اساسيا لتقدم الشعوب والامم. فالحضارة الاغريقية التي نوّرت التاريخ باضاءاتها الساطعة الفلسفية والادبية وتطورها العمراني والمجتمعي كانت قد اسست بشكل
صحيح للفن المسرحي معمارا وكتابة وتنفيذا، وتصدى لهذه المهمة رجال، حكاما وكتابا، خلدهم التاريخ واصبحوا فنارا ترسو عنده سفن المبدعين!
في عالمنا العربي شهد الفن المسرحي تطورا ملحوظا في بعض البلدان التي شهدت في فترات متفاوتة تصاعدا في نمو وضعها الاقتصادي والاجتماعي، ولكن للاسف فان الخطوط البيانية الخاصة بهذه الحقيقة لم تتواصل بالتصاعد بل شهدت انتكاسات حقيقة بسبب سلوك السلطة السياسية او بعض القوى المجتمعية المتطرفة، التي ادت في محصلتها الى اختفاء المهرجانات المسرحية في هذه الدولة او تلك!
وبقي الامل معقودا على ثلة من المسرحيين العرب الذين يحاولون جهد الامكان التواصل في ديمومة هذا الفن على اسس علمية واكاديمية من اجل ايصال الرسالة الانسانية التي يحملها هذا الفن الرفيع. استمرت تونس، رغم الصعاب، بعقد مهرجان
قرطاج الدولي للمسرح، وتواصلت القاهرة بمهرجاناتها، وكذلك الكويت، ولكن بالمقابل اختفت مهرجانات العراق للاسف، وخفت بريق الشام. وكاد ان يلفنا اليأس ويخبو الامل، الذي ظهر مجددا، ولكن هذه المرة من الخليج العربي، حيث شهدت السعودية تطورا ملحوظا في الفن المسرحي خلال الفترة القريبة الماضية، واصبحت مسقط عاصمة عمان محط انظار المسرحين العرب، ولكن الاهم من هذا وذاك هو ما اقدم عليه حاكم الشارقة د. سلطان بن محمد القاسمي، المعروف بشغفه بالمسرح، حيث سخر كل الامكانات، المادية واللوجستية، من اجل تطوير المسرح في كل الدول العربية، وراحت الشارقة ومنذ 2008، (حيث تم تاسيس الهيئة العربية للمسرح)،وهي تقدم الدعم لمعظم المسارح العربية وتقيم التوإمة مع العواصم من اجل تنشيط المسرح المدرسي، بالاضافة لقيامها بورشات فنية وطباعة المؤلفات الخاصة بالمسرح والاهم هو محاولة لم شمل المسرحيين العرب في مهرجان سنوي تقيمه " الهيئة" كل عام في عاصمة عربية ( العراق في عام 2021), وسيقام المهرجان هذا العام في العاصمة الاردنية، عمّان، حيث تنطلق اعماله يوم الجمعة القادمة، بالتنسيق والتعاون مع نقابة الفنانين الاردنيين ووزارة الثقافة، وبحضور وفود عربية فنية واكاديمية عديدة، ولم يقتصر على العروض المسرحية فقط بل سيتخلل المهرجان ندوات فكرية وجلسات نقدية وورشات في مختلف الاختصاصات المسرحية.. والاهم من هذا وذاك هو الحضور الكبير للجمهور المتعطش لفن مسرحي راقٍ وملتزم تساهم به فرق من الكويت والاردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر وسوريا والامارات العربية المتحدة، حيث تم فرز 114 ملفا مسرحيا، سهرت عليها لجنة عربية مختصة واختارت 15عرضا مسرحيا لتقدم في مهرجان المسرح العربي هذا، بدورته ال 12. وسيكون العراق حاضرا من خلال وفد فني كبير يساهم بعض اعضائه بلجان تحكيم او بورشات فكرية ونقدية واعلامية.