استبشرنا خيراً عند انطلاق الانتفاضة الشعبية الباسلة، وهي تتبني مفهوم المواطنة، وتؤكده من خلال شعارها الأساسي (نريد وطن) وتجعله اساساً فكرياً وأخلاقياً لرؤيتها التي تستند إليها في التعديلات الدستورية المطلوبة، بهدف ترسيخ مبدأ المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد بينت ان لا تغيير ان لم يأتِ على إعادة بناء العلمية السياسية، وفقا لمبدأ المواطنة، وتخليصها من الطائفية السياسية وكل أشكال الانقسام.

المواطنة التي هي حجر أساس الوعي الجديد الذي برز بوضوح تام عند شباب الانتفاضة، فجعلها عزيزة تكسب تعاطفا واعيا مشحونا بعاطفة مرهفة.

شطبت الانتفاضة من القاموس السياسي والاجتماعي مفاهيم (الروافض والنواصب)، وأتت على الصراع (الشيعي – السني). لكن هذا الوعي المتقدم لا يروق لمن لا يريد رؤية الشعب العراقي موحدا، يتجاوز الانقسام الذي عمل الطائفيون على ترسيخه في المجتمع، ويتوحد في الدفاع عن مصالحه العامة ببسالة نادرة. لم يقف هؤلاء متفرجين امام تنامي وعي التغيير المنطلق بأفق جديد مقدام، يتقدم وهو يحمل رياح تجديد الخطاب الوطني. حيث يبدو ان هذا الخطاب استفز كل من لا مصلحة لهم في استقرار العراق، سيما الدول الخارجية والإقليمية التي حاولت عبر أذرعها وامتدادها اجهاض الانتفاضة، عبر شتى صنوف القمع والتخريب والتشويه.

كان آخر ذلك صناعة توتر عسكري وأمني خطير. فالمواجهة اليوم بين الولايات المتحدة وإيران تعرض الانتفاضة الى مخاطر كبيرة. اولها خطر حرف الصراع الأساسي الذي يخوضه الشعب المطالب بكرامة وطنه ضد طغمة الفساد، الى صراع مولاة. وما يؤسف له هو افتعال انقسام خطير، وكأن العراقيين طرفان الاول يوالي المشروع الأمريكي والآخر يوالي المشروع الإيراني. 

وما يؤسف له ايضا هو الانجرار الى هذا الانقسام بتعصب كبير، صاحبه تبادل نعوت بـ (الجوكر الأمريكي) و(الذيل الإيراني) وخلق (طائفية جديدة) كما أطلق عليها مجازا.

اننا نعيش الان وضعا تجاوزته الانتفاضة الباسلة، الوضع الذي أكد ان العراق للعراقيين، واهمية النظر الى المصالح العراقية دون المصالح الخارجية، فليس من مصلحة العراق ان يكون طرفا في صراع ليس لنا فيه ناقة ولا جمل. ومصلحة العراق تكمن في السلام واستثماره، في الاستقرار والتنمية، وليس في الحروب والتحالف مع مشعليها.

ما زال العراق يعاني من الحروب وتداعياتها، وخسائرها الفادحة البشرية والمادية. ومازالت في الذاكرة ويلات الحرب وجروحها الغائرة التي مست كل العوائل العراقية. ما زالت الذاكرة طرية وهي تحمل ذكريات الفقدان والخسائر.

(الطائفية الجديدة) هدفها اجهاض الانتفاضة، وعودة الفاسدين الى مواقعهم، وعودة نفوذهم الذي خسروه، وإعادة انتاج وجودهم في السلطة بعد ان اهتزت مواقعهم فيها.

لنتمسك بالوعي الوطني الذي اشاعته الانتفاضة، والانتماء الى العراق أولا وأخيرا، وبهذا ندرأ الحرب والعدوان عن وطننا المثخن بجراح الحروب. ونقول لكل من يريد جرنا الى الحرب، وجعل وطننا ساحة لها، نحن لا نحتاج الى  أعداء قدر حاجتنا الى أصدقاء، نحن لسنا دعاة حرب بل دعاة سلام وعلاقات حسن جوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

عرض مقالات: