احتار بعض المسؤولين والسياسيين والمحللين، بالبحث عن سر حراك الأول من تشرين الاول/ اكتوبر، الذي أعلن عنه بأيام قبل حدوثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتساءلوا جميعا: هل يمكن لحراك اجتماعي بهذا الحجم والزخم والاندفاع أن يحدث من دون رأس، من دون قيادة؟! وطرح هؤلاء السؤال لأنهم يعتقدون ربما أن الناس قطيع، ولا يمكن للقطيع أن يسير بخطى متماثلة دون أن يكون هناك راعٍ!
السلطات المسؤولة تحاول اليوم اجراء خطوات ملموسة باتجاه اصلاح وضع متهرئ، سماته الاساسية انعدام الخدمات العامة، وبطالة مقنعة، وبطالة حقيقية متفشية، خصوصا بين الشباب، يرافقها عدم امكان الحصول على وظيفة إلا بدفع رشوة او بتوصية من هذه الكتلة "المتنفذة" أو تلك! وهذا الواقع المؤلم هو نتيجة لسياسات الحكومات التي تعاقبت على دفة الحكم بعد سقوط النظام الدكتاتوري، تلك السياسات التي اعتمدت على " المحاصصة" المقيتة، التي انتجت فسادا "مافيويا" مريعا اكل الاخضر واليابس، حتى أصبح الفساد مع الإرهاب وجهان لعملة واحدة!
ومن الطبيعي جدا أن يخرج الشباب دفاعا عن لقمة كريمة وعيش كريم ووطن آمن تتوزع فيه خيراته على الجميع بشيء من العدالة!
ولكن أن تجري مواجهة المتظاهرين، تحت أية ذريعة كانت، بمثل هذا العنف، فأمر يدعو إلى الاستغراب والاستنكار!
في انتفاضة كانون ١٩٤٨ لم يقترب عدد الشهداء من عدد أصابع اليد الواحدة فكان ان سقطت حكومات واستقال وزراء وتوقف البرلمان عن العمل. وها نحن نرى اليوم، وخلال اقل من اسبوع، سقوط أكثر من مئة شهيد وآلاف الجرحى، فمن يتحمل وزر هذه الدماء الزكية ؟!
التلويح بجعل العراق ساحة للصراعات الدولية أمر مرفوض قطعا. فلا بد من عراق سيادي يسير وفق خطى وطنية، رافضا تدخل القوى الأجنبية في قرارته. ولا بد من رفض العنف من أي طرف جاء. ولا بد من محاسبة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين، أو المندسين في التظاهرات، في محاكمات علنية وشفافة تسمح لكل المواطنين بمتابعة مجرياتها.
لقد ولى زمن الانقلابات، وولى كذلك زمن تكميم الافواه، خاصة تلك التي تطالب بحقوقها الإنسانية.
كفى حديثا بوصم المتظاهرين بأنهم نتاج " مؤامرات" خارجية تستهدف الوطن! لان هذا يذكرنا بعهد البعث، الذي كان يوصف الآباء والاخوان بأنهم جزء من صفحة "الغدر والخيانة!"
ان هذه التظاهرات، ومن دون الدخول في التفاصيل، تعبر تعبيراً حقيقيا عن السخط الاجتماعي الذي ولدته السياسات المتَّبعة خلال اكتر من عقد ونصف العقد الماضية!