اقدم البنك المركزي العراقي على خطوة مهمة تتمثل في أجراء التعديل على ضوابط التصريح عن الاموال الداخلة والخارجة من العراق وهو اجراء كان المنتظر ان يتم قبل سنوات من اجل الحفاظ على الاموال العراقية قبل ان تنقل، اما بطرق مشروعة او بالتهريب الى خارج العراق لاستثمارها في دول الجوار، من بلد وصل حد التخمة من الانهيار الاقتصادي وتوقف الانتاج بسبب الحروب والحصار ولكن كما يقال ان يأتي متأخرا خير من ان لا يأتي ابدا.

ومن الواضح ان التعليمات سيجري تنفيذها في شهر شباط القادم وان ابرز هذه التعديلات تخويل السلطات الكمركية صلاحية تفتيش الاشخاص ومعاينة امتعتهم للتحقق من صحة المعلومات المصرح بها وايضا تتضمن السماح بإدخال واخراج عشرة الاف دولار او ما يعادلها من العملات الاخرى وما يزيد على ذلك فيمكن ادخالها او اخراجها عن طريق المؤسسات المالية، وتكمن اهمية هذه الاجراءات في السيطرة على حركة الاموال ومنع تهريبها كما كان يجري من قبل دائرة التحويل الخارجي لدرايتها بحاجة السوق.

  ان التراكم المالي في العراق كان يعاني اشكاليات ثلاثاً، الاولى تتعلق بالانفتاح على حركة رؤوس الاموال فخلال الاعوام 20052016 ادى خروج رؤوس الأموال متأثرا بعوامل نقدية وامنية وسياسية الى عجز في  الحساب المالي وعجز في الحساب الرأسمالي للسنوات 2014--- 2016 اما الثانية فتتعلق بظاهرة الاكتناز التي تشكل 77 في المائة من الكتلة النقدية خارج البنك المركزي وخطورة هذه الظاهرة تتجسد في تعطيل رؤوس الاموال من الحركة في الاقتصاد واسبابها المناخ الاستثمار المتردي فضلا عن السياسات النقدية  وتخلف الجهاز المصرفي وسوء خدماته  في ان يلعب دورا كبيرا في تحفيز عملية الادخار بالإضافة الى ضعف الوعي المصرفي لدى المواطن واما الثالثة فتكمن في  عملية تركز رأس المال بيد قلة من السكان حيث تشير التقديرات الى ان 20 في المائة من سكان العراق يستحوذون على 40 في المائة من الدخل الوطني وان جل هذه الثروة وتراكماتها المالية تأتي من المضاربة المالية والمتاجرة عالية الربح ضعيفة القيمة المضافة وحالة  عدم المساواة العميقة  في توزيع الدخل والثروة ( د. مظهر محمد صالح )   .

ان تدوير رأس المال وتعظيم التراكم قد رافق تمويل التجارة الخارجية ذات الطابع قصير الاجل والمشكلة هنا تكمن في التزام العراق باتفاقية صندوق النقد الدولي في ظل بيئة يصعب تعريف رأس المال المالي المتدفق الى الخارج بحيث من الصعب التمييز بين تمويل التجارة ضمن الحساب الجاري او انتقال رؤوس الاموال الى الخارج ضمن الحساب المالي لميزان المدفوعات ومن ناحية اخرى فان التدخل للحفاظ على استقرار الدينار العراقي اصبح ممرا امنا لرأس المال المالي للتدفق الى حواضنه الخارجية عبر التجارة المالية القائمة على جهة التحويل الخارجي    .

ان الابقاء على سياسة الانفتاح على حركة رؤوس الاموال دون شعور بالمسؤولية الوطنية سوف يؤدي الى تعمق الازمة الاقتصادية وانعكاساته على قطاع الانتاج وضياع الموارد المالية ما لم تتخذ الحكومة العراقية بالتنسيق مع البنك المركزي الاجراءات الضرورية لمنع هرب رأس المال من خلال حزمة من الاجراءات مقترحين الاتي:

1. التعجيل بتشريع قانون مجلس الاعمار من اجل وضع الضوابط الضرورية لتشجيع الاستثمار من خلال توفير البيئة الاستثمارية المناسبة عبر التخفيف من الروتين وتوجيه ضربات قاسية للفساد والفاسدين وحماية المستثمرين من عمليات الابتزاز التي تمارسها قوى متنفذة.

2. اعادة تقييم نافذة البنك المركزي وضبط ايقاع عمليات بيع الدولار واستخدام الادوات التقنية في فحض الوثائق المتعلقة بالتجارة الخارجية والتأكيد على ضبط الاجراءات الكمركية في منع تهريب العملة وان تكون قيمة البضائع المستوردة مطابقة لقيمة العملة المخصصة للاستيراد .

3. التنسيق الكامل بين السياسات النقدية والسياسات المالية من اجل تنشيط دور الجهاز المصرفي في عملية التنمية الاقتصادية وفي نفس الوقت توظيف السياسة المالية في قطاع الاستثمار وانجاز المشاريع الاقتصادية .

عرض مقالات: