لا نأتي بجديد ان قلنا ان التظاهر والاحتجاج والنقد والمناقشة والقبول والرفض.. حق طبيعي يمارسه الانسان في مواجهة ما لا يرقى او يصل او يتفاعل او ينسجم مع طموحاته وحقه الطبيعي في العيش الآمن والمستقر اقتصادياً وصحياً وتربوياً ومعيشياً وامنياً..
لكن ما نريد قوله واضافته يتعلق بوعي الفئة او السلطة او الجهة التي تقف على الضد من التظاهرات الوطنية تحت مسوغات عدة؛ تزعم وجود مندسين او ينضوون تحت تأييد النظام السابق او يعمدون لنشر الفوضى والعنف في البلاد.
مثل هذه الادعاءات في مواجهة ظاهرة التظاهر والتنكيل بالمتظاهرين، يعد نفيا لحقوق هذه الطبقة المسحوقة والمهمشة لشبيبة المتظاهرين التي تبحث عن سبل الحياة في ادنى مستوياتها المقبولة انسانياً.. فيما نحن ندعو الى حقوق للإنسان وحقوق للرأي والرأي الآخر وعدم تكميم الافواه واسدال الستار على واقع معيشي وامني متردٍ.
ولأن ظاهرة التظاهر ما زالت غير راسخة في تقاليدنا الاجتماعية على الرغم من تعدد وتجدد التظاهر وللسنوات التي مضت؛ ما زلنا نجد ان الطبقة الفقيرة والمعدمة والبروليتاريا الرثة هي من افرز حق التظاهر واضاء دروب الناس للاحتجاج، دفاعا عن الشغيلة المعذبة والمدمرة والمعدمة، نفاجأ ان قسماً ليس بالقليل يستغل هذا الاندفاع المضحي والمندفع للتظاهر، ليعمد من جهته الى رفع أسعار المواد الغذائية ومستلزمات الحياة الأخرى، مستغلاً الظروف الطارئة لتحقيق مكاسب مالية، على حساب متظاهرين يناضلون من اجل حياة معيشية افضل...!
هذا التناقض في الواقع الاجتماعي، سببه غياب ثقافة التظاهر والوقوف وقفة المتفرج ازاءها، بل واتخاذها سبيلا من سبل الكسب المادي السريع..
وهذا ما يحصل في كل مناسبة او ازمة، على العكس من كل الشعوب الواعية والحية والمدركة لمسؤولياتها وهي ترفع اصواتها مؤيدة وداعمة ومتفاعلة وذلك عن طريق خفض أسعار السلع وتقديمها بمستوياتها المعتادة، وقد تكون هناك مبادرات استثنائية في تقديم الماء والغذاء للمتظاهرين تعزيزا ودعما لدورهم المتقدم والمضحي لأجل الناس المسحوقين.
ولا نجد حضورا للكتاب والمثقفين – الا في حدود ضيقة جدا – إزاء ما يجري من ردود أفعال سلبية في تشويه صورة التظاهر والمتظاهرين، والعمل على ادانة المتظاهرين تحت مسمى (تسييس) التظاهر، مع ان السياسة تدخل في صلب جميع الأشياء، بدءاً من رغيف الخبز وليس نهاية بالعلم والابتكار وإرادة الوعي..
نعم.. قد تدخل السياسة في قلب التظاهر، وتدفع به الى الامام، ذلك ان السياسة فكر وممارسة ودراية وثقافة، وليست برجاً يعيش بمعزله عن الناس ولا على الضد منهم.. وعلى وفق هذا المعنى لا بد من عزل السياسة معبرة عن أيديولوجيا معينة، عن السلطة السياسية التي تتحكم في مصير الناس وتنشر الظلم والتعسف ضدهم، وتعمل على حرمانهم من ابسط حقوقها، لغرض الإبقاء على الامتيازات التي غنموها عن غير حق ولا عدل ولا انصاف.
ان ثقافة التظاهر، تعني المعارضة السلمية التي تتقاطع كلياً مع العنف المسلح والممارسات الإرهابية وتعني تغليب لغة العقل والسلم على لغة السلاح الغاشم الذي يواجه المتظاهرين العزل واطلاق شتى التهم ضدهم من دون الاصغاء الى أصواتهم واحقية حقوقهم المشروعة..
نعم.. ثقافة التظاهر ثقافة تعي دور المتظاهر وتتفهم حاجاته، وتشاركه مساره السلمي وتفتح له سبل الحلول المنطقية الحقة، وتتوجه وبمصداقية عالية نحو إعادة الثقة بينه وبين القوى التي تواجهه..