لا يمكن أن أتصور مدينة بعقوبة دون أن تكون مستلقية في بساتين "الخشالي"، شعرها يبلله نهر ديالى وساقاها مسترخيتان في نهر خريسان.
لا يمكن أن اتخيلها دون كرمها الوافر في استقبال الشبيبة والاصدقاء وهم يقيمون احتفالاتهم رقصا وغناء، في كل آذار، وهم منتشون بعطر قداح بساتينها!
لا يمكن أن يخطر ببالي ولو لهنيهة ان اشم وردة او ان اقطف برتقالة دون ان يكون معي رئيس جمهوريتها، جمهورية البرتقال، الشاعر ابراهيم الخياط، شاهدها وشهيدها، وهو منارتها الدالة لكل الطوائف والاجناس والاعراق، وفنارها الذي ترسو عنده كل " قصائد " الأصدقاء والمعارف، وحتى أولئك الذين كانوا يشون به عند "المختار" أو الشرطي الذي يدعي "الادب"!
ابراهيم الخياط.. بعقوبي الأصل والولادة، عراقي الهوى، اممي الفكر والموقف بأبعادهما الإنسانية الخلاقة. هو المثقف الذي تحدث عنه غرامشي، المثقف العضوي الذي يلعب دورا أساسيا في إعادة إنتاج الوعي لدى المتلقي من أجل التغيير وإصلاح الحياة، التي حاول ان يفسدها الفاشيون والفاسدون. لم يمتلك سوى سلاحٍ واحدٍ هو القلم، قلمه الذي لا يخط إلا الجمال الضروري لصناعة حياة إنسانية معقولة ومقبولة.. مَرَّ على مراكزِ توقيفٍ وسجون، وأفلت من الاعدام هو ومجموعة من رفاقه بضربة حظ!
سقطت سلطة المختار الواشي وهرب الشرطي وبقي الخياط شاعرا وملاذا لأبناء جلدته وكتابا يلملم على صفحاته القصائد.
وزع الخياط المحبة على الجميع وابدى احترامه الجم حتى لاولئك الذين اوصلوه الى حافة حبل المشنقة!
وحين ارتقى سلم الأدب و"الاتحاد" خطوة إثر خطوة، صار أكثر وداعة وأرقى وابهى، رافضا مبدأ الانتقام والثأر، متخذا من الابداع معيارا أساسيا في تقييم الآخر!
في زمنه علا شأن " اتحاد الجواهري" حتى أصبح كيانا مستقلا بالكامل معتمدا على قدراته الذاتية. في زمنه صار الاتحاد مرجعا أساسيا في الحياة الثقافية، فلا يمكن اتخاذ قرار استراتيجي دون العودة للاتحاد، فكان رفض ابراهيم ورهطه من الادباء قاطعا لاستيزار وزيرٍ للثقافة غير "مختص"، حتى رسا التنصيب على رجلٍ من أهلِ الأدبِ والثقافة. وأصبح التفاعل بين الاتحاد والوزارة مثالا يحتذى من أجل إنعاش الحياة الثقافية التي ما زالت بحاجة لرجل ثقافة وأدب مثل ابراهيم الخياط.
اليوم نستمد من روحك الوثابة يا ابراهيم ومن غيابك - الحاضر، أيها الشاعر، الشجاعة، كي نمضي قدما على وقع خطواتك من أجل ان تكون " الثقافة التقدمية " سائدة وسيادية!