مثلما تفتخر الامم بعلمائها وقادتها فهي تحترم الأطباء والمعلمين والأساتذة باعتبارهم ثروة وطنية وجزءاً من رأس المال المعنوي للمجتمعات البشرية، هذا ما أكدته الامم والشعوب الناهضة خلال مسيرة التطور المعرفي والطبي في بلدانها، وبلدنا العراق الابي واحد من هذه الامم، اذ قدم المئات من المع الشخصيات الطبية والكوادر الاختصاصية في مجالات الفروع الطبية المتنوعة والذين سطروا اسماءهم بأحرف من ذهب في السفر الطبي الخالد.
أقول، على الرغم من وجود البعض القليل جداً من غير الكفؤين في هذه المهنة، ممن اساؤوا للطب في وقت التداعي المجتمعي بعد سنوات التغيير والانفلات والفوضى وخراب الامن والأمان، واعتقد بان إساءتهم ترجع الى قلة الخبرة لانهم مبتدئون او بالنظر للفساد المستشري في مفاصل الدولة، لكن لا يمكن اعتبار الظاهرة عمومية ويعاقب الجيد بجريرة أخطاء المتلكئ او بسبب تكاسل الجهات المعنية، لذا يتعرضون الى المحاربة والتجاوز والتهديد والوعيد، الامر الذي دفعهم الى الهجرة والاغتراب القسري، وبالتالي كان الناتج الحاصل هو تفريغ الساحة العراقية من خيرة الملاكات الطبية الاختصاصية بذرائع وأسباب شتى مرة بذريعة طائفية وقومية او دينية وأخرى تحت مسمى دية عشائرية او مناطقية او حسداً او بغضاً وغيرها.
وفعلاً وجدنا الكثير من الاطباء غادروا مرغمين ومكرهين للعيش في بلدان لم يألفوها واغتربوا عن اهلهم واحبتهم، في حين تلقفتهم البلدان الأخرى فاصبح لهم دور في علاج أبناء جلدتهم في بلدان المهاجر القسرية مقابل عملة صعبة واموال طائلة تستفاد منها دولهم الراعية وخسرهم الوطن، المؤسف ان يستمر هذه النهج والسياسات الحاقدة والتي تستهدف المبدعين والاكفاء، دون الركون لمعالجة الأسباب والمسببات من قبل الجهات المختصة، ودون ان تبادر بتقديم ضمانات كافية لجذبهم واستقطابهم بغية الرجوع الى بلدهم الام.
حالات وفاة المرضى حصلت وتحصل يوميا بسبب قلة الادوية والأجهزة الطبية وهنا يحق لنا ان نتساءل من هو المسؤول عما يحصل، هل هي الكوادر الطبية وحدها ام الجهة المسؤولة عن صحة المواطن عبر تجهيز المستشفيات الحكومية في العاصمة والمحافظات والتي لا يتوفر في بعضها جهاز الناظور علما ان سعره لا يتجاوز ثلاثة آلاف دولار.
التراجع الحاد في القطاع الصحي يتطلب وقفة وطنية مهمة وصريحة ومعها محاسبة شديدة للمقصرين والفاشلين في جميع مفاصل الوزارة كلا بحسب موقعه وتورطه، من المستورد للأدوية الفاسدة والمنتهية الصلاحية والمتواطئين بصفقات الفساد وصولا الى الأطباء المتراخين وليس الاطباء الاذكياء والمجتهدين.
نناشد اخيار الوطن ونقول: انقذوا اطباء العراق، لانهم ثروة وطنية، وعالجوا مكامن الخلل لانفاذ حيوات الناس.