في عبارة مدهشة بإيجازها، بل حكمة عميقة من ثلاث كلمات لا غير، انتشرت في حينها بسرعة البرق في العالم العربي، لأنها جسدت بعمق الواقع المأساوي وثقافة الحزن الابدي، لشعوب هذا العالم المترع بالتخلف والانشداد المرضي الى الماضي الموغل في القدم، كان قد أطلقها الكاتب والاديب السوري الراحل محمد الماغوط.
قالها في لحظة من التجلي، والذكاء النادر وبرمزية غاية في الثراء "الفرح ليس مهنتي" كناية عمل اوصلنا اليه الحكام العرب، من بؤس وفساد مخيف وحياة لا تليق بالبشر.
في العراق نضب الفرح منذ فترة طويلة لأنهم اطفأوا مصابيحه، وأوقدوا بدلا عنها نيران الكراهية والحقد والانتهازية والرغبة في التنمر على الآخرين، وأدت في المطاف الأخير الى انهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع، وتمزق نسيجه الاجتماعي.
بدأها (صدام) بحروبه الداخلية والخارجية، وسياسته الهادفة الى مسخ الشخصية العراقية، وتحويلها الى مجرد إمعة لا رأي لها حتى في أدق تفاصيل حياتها الشخصية. ثم جاء من بعده حملة شعار (إنهب وبالغ في الحديث عن الشرف والكرامة!). ليصبح شعار المرحلة، ويجعل من البلد قاعاً صفصفا، لا تنبت فيه سوى اشواك الفشل واللصوصية.
آخر فصول المهزلة العراقية، هو ما كشفته مصادر برلمانية وأخرى قضائية، عن وجود توافق او اتفاق ضمني بين بعض القوى السياسية المتورطة في تخريب البلد، وإشاعة الفساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع، بحيث اصبح ممارسة يومية عادية، ويقضي هذا الاتفاق بعدم فتح أي ملف قضائي مهما كان الضرر الذي أصاب العراقيين، والضحايا الابرياء الذين سقطوا بسببه، كملف سقوط الموصل وتفجير الكرادة ومجزرة سبايكر وصفقات السلاح الروسي والأوكراني وقتل المتظاهرين وصفقة الرز الفاسد ومواد البطاقة التموينية والهياكل الحديدية للمدارس الجاهزة، وما يربو على (40) قضية كبيرة، لأن كل واحدة منها ستؤدي الى ازمة سياسية او أمنية.
والمقصود بالأزمة السياسية او الأمنية من وجهة نظرهم، ليس المعنى المتعارف عليه في دول العالم، حيث يتم تجنيد كل الطاقات والامكانيات الوطنية من اجل تلافيها ووضع حد لها، وبالتالي إعادة الحياة الى مجراها الطبيعي، بل لأنها تشكل خطراً على وجودهم وتعرضهم الى المساءلة، وربما الإدانة واستعادة الأموال التي سرقوها في غفلة من الزمن، هذا اذا استطاعوا الإفلات من السجن، او ما هو اكثر منه!
ان الملفات القضائية الكثيرة، يتم الحديث عنها ثم تختفي، لوجود قوى سياسية لا تستطيع الأجهزة الحكومية الوقوف بوجهها على ما يبدو. ولهذا يسعى المتنفذون الى الإبقاء على هذه الحالة الكارثية، ليكون باستطاعتهم الاستمرار في إدارة شؤون البلد، بنفس المستوى من الفشل والدجل ان لم يكن بأسوأ منهما، وفساد صار العراق العنوان الأبرز له، بمعنى آخر هم حريصون جدا على إدامة الخراب الشامل، الذي يلّف بلدنا، ويستنزفه مادياً وسياسياً وأخلاقياً، دون وازع من ضمير، او حتى شعور بالحرج، بل دون تقدير لمصائر الذين يستهترون بحقوق الشعب ومصالحه، ويستخفون بعقول الناس، ويراهنون على قلة وعيهم وصبرهم، ذلك الصبر الذي سيطفح كأسه عاجلاً ام آجلاً، ويطيح بهم، وبالنظام الكارتوني الذي ارهقوا انفسهم لتشييده على رمال متحركة، ولات ساعة مندم.

عرض مقالات: