يتوصل العديد من الشباب، لاسيما في الفترة الأخيرة، الى قناعة بان لا امل يترجى في هذه الدنيا وان الأبواب موصدة، فيقدم على إنهاء حياته بطريقة مأساوية. وقد كثرت حالات الانتحار في مختلف محافظات الوطن، بل وأخذ الامر يتحول تدريجيا من حالات منفردة هنا وهناك، الى ظاهرة عامة تثير المزيد من القلق، خاصة وان اغلب المنتحرين هم من الشباب، ومنهم من يحمل الشهادة الجامعية.
ان أسباب تزايد حالات الانتحار عديدة ومتنوعة، تتصدرها مجموعة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، والقليل منها حسب بعض التقارير يعود الى حالات نفسية معينة، لا تلقى العناية الكافية نظرا الى قلة أماكن المعالجة المتخصصة وفقر ما موجود منها، وارتباطا بعادات اجتماعية معينة تدفع الى الانكفاء على الذات، بدل السعي الى زيارة اخصائيين وتجاوز ما يعد في هذا المجال عيبا او نقصا او عارا.
ولا شك ان أوضاع البلد العامة والسياسية المعقدة، وتبدد الآمال عند الكثيرين في حدوث انفراج جدي يقود الى حالة استرخاء، إضافة الى تفاقم الأوضاع المعيشية وارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة، خاصة بين الشباب والخريجين، هي بيئة مناسبة لبروز حالات الاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس والقدرة على الفعل الإيجابي.
وان بعض العادات والتقاليد الاجتماعية تزيد الامر سوءا، خاصة ما استفحل مؤخرا تحت عنوان "مطلوب عشائريا " وذهبت ضحيته أرواح بريئة، وقد اضطر البعض بهدف الخلاص من ملاحقة هذه التقاليد الى الانتحار. وتطول هذه التقاليد النساء قبل غيرهن، خصوصا حين يجبرن على الزواج باسم الفصلية.
ولا يمكن عزل تفاقم هذه الأوضاع عن سلوك المتنفذين، خاصة من يمتشق السلاح منهم ويسعى عبر مختلف أشكال الضغط الى تنميط حياة الناس، واحصاء انفاسهم، وفرض صيغ معينة من السلوك عليهم، خاصة اذا كانوا من الشباب الذي يميل بطبيعته الى التجديد وحتى التمرد على المألوف.
ان فقر الحياة العامة وقلة منافذ الترفيه وحتى انعدامها، وغياب المؤسسات الثقافية الجادة والمعنية بتربية وتنمية المواهب ورعاية الشباب، اضافة الى السعي المتواصل بأشكال مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، للتضييق على الحريات الشخصية، لا يؤدي الا الى المزيد من انتشار مظاهر السلوك غير المقبول، والذي ينعكس سلبا على حياة الكثيرين من أبناء شعبنا، خاصة الشباب.
وفِي هذا السياق يأتي غياب الفرص وعدم تكافئها، والشعور المتواصل بالغبن والاجحاف وغياب العدالة، ما يزيد من حالات الإحباط والقنوط.
ان تزايد حالات الانتحار أمر مقلق حقا، ويثير تساؤلات عن أسبابه وظروف تفاقمه، وعن دور مؤسسات الدولة في التوقف عندها، ومعالجة أسبابها وليس مظاهر تجليها، كما حصل في حالة المقترح المضحك المبكي بشأن بناء أسوار عالية على الجسور للحد من حالات الانتحار. وكأن الاقدام عليه يقتصر على شكل معين دون سواه، فيما نرى " التفنن" في أساليب التنفيذ، التي لا يخطر بعضها على البال. وللأسف يأتي الثمن على الدوام غاليا، فالنتيجة هي فقدان إنسان لأسباب غالبا ما تكون خارج ارادته.
ان الحالات المنفردة يمكن دائما ان تتحول الى ظاهرة، إن بقيت الأوضاع على حالها.
فبم تفكر الدولة وتخطط مؤسساتها المختلفة، للحد على الاقل من حالات الانتحار، او للحيلولة دون استفحالها؟

عرض مقالات: