استعرتُ عنوان مجموعتي الشعرية الثالثة، التي جاءت قصائدها تعبيراً عما أحمله من محبةٍ وطيبةٍ وصفاتٍ حميدة تعلمتها منذ نعومة أظفاري وكبرت معها فصارت جزءاً لا يتجزأ منّي، إنها البذور التي زرعها أبي فيَّ مع أول قطرة حليبٍ رضعتها من ثدي أمي.
أبي الذي يقول الشعر العامي بالفطرة، نهل هذه الصفات من منبع البياض والنقاء، وتغذى من بستان النزاهة والوفاء، وشرب الطيبة والمحبّة من النبع ذاته، فصارت تسري مع دمه في الشرايين.
ظلّ يغذّيها لنا في كل قولٍ وفعلٍ حتى رحيله ذات فجرٍ مع القمر.
العامل المينائي الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة، لكنه عرف قيم ومبادئ وأخلاقيات الحزب العظيم الذي انتمى إليه ذات يوم، فصار لا يتصرف إلاّ على وفقها، وما أفضلها وأبهاها.
استذكرت القيم والمبادئ التي غرسها فيَّ أبي يرحمه الله، وأنا اقرأ خبر الشكر والتقدير الذي بعثته دائرة عقارات الدولة لامتثال الحزب الشيوعي العراقي للقانون وحضوره لغرض تسوية المبالغ المستحقّة بذمته عن إشغاله العقارات التابعة للدائرة، والتي تطلب في كتابها هذا من الأحزاب الأخرى أن تحذو حذو الشيوعيين من أجل الحفاظ على المال العام!
فقلت: كم أنت كبير أيها النبع والمنهل العذب لكل القيم النبيلة.
كم أنت كبير بأقوالك وأفعالك وسجاياك..
وأنت تقدّم درساً في النبل والنزاهة والأمانة الوطنية الحقّة في زمنٍ انعدمت فيه هذه الصفات واستشرى الفساد والمحسوبية والمنسوبية والنهب في كل زاوية ومكان.
كم أنت كبير حين ترسم لوحة الانتماء الحقيقي للوطن والناس من خلال كل حركة تقوم بها، أو شعار ترفعه.
وهذا ليس بغريب عنك، وقد تقدّم إلى مذبح الحرية مؤسسك ماشياً والحديد المزنّر في يديه ورجليه يغنّي له أسمى أغاني الخلود مرددا قوله ــ الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق ـــ فصار نبراساً يهتدي به السائرون إلى العلا.
وظلّت مسيرتك وضّاءة تضوع بعبق الصمود والبسالة والاندكاك الحقيقي في أعماق تربة هذا الوطن لتعلو في سمائك، عندما داست أقدام الفاشست البلاد، نجومٌ وكواكبُ طرّزوا سماءها بنبل الخلود وأسطورة الصمود الحقيقي بوجه القتلة.
وليس غريبا عليك كل هذا وأنت ابن الخمسة والثمانين حولاً ناصعات البياض.
كل حول منها درس للآخرين في الإنسانية وقيمها الخلاّقة، ومعنى ان تكون منتميا لوطنك وناسك، وفي طريقة العيش بين الناس في أحلك الظروف واضواها!
لم تُغْرِك المناصب والكراسي، بل كان همّك الوطن والناس.
ولم تغرك الهبات والعطايا والمناقصات والمزايدات، بل كان همك الوطن والناس!
ولم تغرك الأطيان والعمارات والمولات والذهب والنفط، بل كان همك الوطن والناس.
ولدتَ نقياً، أبيضا، ناصعا، تشعّ لتنير كل ظلمة خيّمت على نهاراتنا، فصرت نبراساً ترنو إليه العيون، وفناراً تهتدي به السفن، وقمراً يضيء بالمحبة والإنسانية والنبل والنزاهة والوفاء والوطنية في كل زمان
لهذا ستظل الأصفى من البياض دائماً!