من المفاتيح الأساسية لعملية الإصلاح والتغيير التي أقر الجميع ضرورتها، تشريع قانون عادل للانتخابات يضمن حق العراقيين على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية وانتماءاتهم الحزبية، في اختيار من يمثلهم حقاً في مجلس النواب.
وكان البعض قد رفع عقيرته بالصراخ والمطالبة بالإسراع في تشريعه وتنفيذه، ليس قناعة او ايماناً، وانما انحناء امام العاصفة، التي كان يمثلها ضغط الشارع العراقي، ومزايدة سياسية مخاتلة، سرعان ما انكشفت دوافعها، بإقرار التعديل الجديد لقانون انتخابات مجالس المحافظات وتشويه "سانت ليغو" الانتخابي برفع القسمة الى 1.9 بدلا من صيغته الاصلية 1.4 وبعد التمهيد له بتعديل الآلية الى 1.6 في انتخابات البرلمان 2014 ثم الى 1.7 في الانتخابات التشريعية 2018.
هل يخفى السبب الحقيقي لهذا التعديل الجائر على أحد، ولو كان من المتعصبين لما يسمى بالأحزاب الكبيرة والكتل المتنفذة؟ لا أبداً، اللهم الا لمن كان به صمم، وبصيرته معطوبة، فقد اغاظ هذه الأحزاب والكتل وجود عدد قليل جدا من الوطنيين المستقلين والديمقراطيين والشيوعيين في مجالس المحافظات، ما عرقل جزئياً عمليات اللغف والسطو على المال العام، والمشاريع الوهمية للفاسدين وما اكثرهم.
ومن اجل قطع الطريق على مصدر الازعاج هذا، لجأوا الى تشريع هذا القانون الإقصائي لتعود الأمور الى سابق عهدها، وتتاح لهم حرية أكبر في نهب الموازنات المرصودة للمحافظات دون ان يخشوا غضبة الجماهير او الاتعاظ بمن سبقهم من بائعي الضمائر في سوق المصالح الشخصية والانانية الضيقة.
ان الادعاء بان وجود شخص او اثنين من أحزاب أخرى في مجالس المحافظات يعيق عملها، ولا يسمح لعقد الاتفاقات سريعاً صحيح من وجهة نظرهم، لأن مفهوم الاتفاق لديهم، ليس خدمة المواطن وتقديم ما يحتاجه فعلاً، من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وسكن مريح ونقل وشوارع نظيفة، وخلو المؤسسات والدوائر من الرشى والاتاوات، بل يعني قبل كل شيء تصفير ميزانية المحافظة، والشاطر من ينهب أسرع من غيره ولا يترك اثرا على جريمته، الامر الذي يفسر الصراعات غير المبدئية، والمعارك الدونكيشوتية بين العديد من أعضاء هذه المجالس. كما يفسر تمترسهم ضد القوى المدنية والواعدة بإصلاحها، وتحويلها الى مؤسسات لخدمة الشعب لا لسرقته.
ان تجربة السنوات الماضية منذ 2005 وحتى الآن لمجالس المحافظات كانت قمة في الفشل، وذروة في الخراب وسوف تستمر للسنوات الأربعة المقبلة على اقل تقدير، ان لم يعاقبهم الشعب بعدم انتخابهم، ويلفظهم كما تلفظ النواة، والذهاب الى صناديق الاقتراع بكثافة نوعية بدلا من موقف المعارضة والاحتجاج السلبي بمقاطعة الانتخابات، فهذا هو ما يريده هؤلاء الطفيليون لضمان فوزهم وتربعهم على صدور الناس من جديد.
ليس صحيحا ولا يدل على وعي متقدم من يقوم بالمقاطعة او ينصح بها، وليس صحيحاً أيضا طرح السؤال الخاطئ، وهو من ننتخب فكلهم سواسية؟
العراق مليء بالكفاءات الوطنية والنزيهة والمهنية القادرة على تولي المسؤوليات بكل مستوياتها، وادارتها أفضل بألف مرة من هؤلاء اللصوص، بل حتى هذا القانون الجائر يمكن تبديله وإلغاء فقراته الملغومة بالضغط الجماهيري الذي يصنع المعجزات إذا ما استقطب غالبية المتضررين من هذا النهج الفاشل والقوى المتشبثة به.

عرض مقالات: