كلما يجري اعتقال مواطن ذي ميول يسارية، أو اعتداء مادي أو لفظي على الشيوعيين او على "مقراتهم"، استذكر كلمات شاعر عراقي سبعيني قالها أثناء الهجوم الاسود على الحزب من قبل حزب البعث الفاشي في نهاية سبعينيات القرن الماضي. وكانت نتيجة ذلك الهجوم، الذي استمر طيلة عقد الثمانينيات، إعدام أكثر من ثلاثين عسكريا بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي في ربيع 1978 (بينهم لاعب كرة القدم الدولي بشار رشيد)، واستدعاء أكثر من مئة وخمسين الف مواطن للتحقيق بنفس التهمة، وتعرض البعض منهم الى انواع من التعذيب الوحشي لا مثيل لها في العالم! وكل ذلك كان يجري بسبب عدم قبول أولئك المواطنين، الانتماء لحزب السلطة الغاشمة.

وفي نفس الفترة صدر القانون رقم 200 سيئ الصيت، الذي يقضي بإعدام كل مواطن يخفي انتماءه لأي حزب باستثناء حزب البعث! وادت هذه الحملة الهمجية إلى اضطرار آلاف المواطنين ذوي التوجه الديمقراطي واليساري إلى مغادرة البلد والقبول بالمنفى، وفضّل قسم كبير منهم البقاء "هناك" حتى يومنا هذا! دون نسيان عراقهم، حيث ساهموا بتأسيس منظمات مجتمع مدني شاركت في فضح جرائم البعثية الفاشية.

وصعدت مجموعة من الشيوعيين واصدقائهم، من داخل المدن العراقية ومن المنافي، إلى جبال كردستان الشماء، لتشكل أولى الفصائل الأنصارية المسلحة، للوقوف بوجه حكومة البعث الصدامي، وتطوعت عوائل عديدة كجنود من اجل رفع راية الوطن، يجمعهم الود والاحترام والتفاني من أجل تحقيق شعار الحزب الشيوعي "وطن حر وشعب سعيد".

 إنها رفقة السلاح والشهادة والكفاح الصعب!

ولم تتردد السلطة آنذاك في استخدام السلاح الكيميائي ضد الفصائل المسلحة من الأنصار والبيشمركة لمرتين على الاقل، إحداهما في الخامس من حزيران 1987، حين كان انصار قاطع بهدينان في مقر "زيوة" يتجمعون لمشاهدة احدى المباريات الرياضية في مقر القاطع، اخترقت السماء بضع طائرات لتصب حممها وصواريخها على المقر. واستشهد من استشهد، وبقي البعض يحمل حتى هذا اليوم آثار ذلك الاعتداء على أجزاء من جسده. وكان الهجوم الآخر في 1988 في محاولة يائسة لإيقاف نضالات الشعب العراقي بمختلف فصائله واطيافه.

وبعد ان طويت صفحة النظام المقبور في ربيع 2003 استبشرنا خيرا ببناء وطن جديد يرفل ابناؤه بالمحبة والسلام والأمان، لتنصرف الأجيال الجديدة الى بناء هذا الوطن. ولكن يبدو أن تحقيق الاماني لا يأتي بالتمني، خاصة في ظل وجود تحالف ثلاثي غير مقدس، بين بقايا البعث الصدامي الذين تضررت مصالحهم، والقوى التكفيرية، وحيتان الفساد الجدد. هذا التحالف هو المسؤول الأول عن محاولة زعزعة الاستقرار المجتمعي وعدم وصول سفينة العملية السياسية الجديدة إلى مرافئ الامان!

هذا التحالف المأزوم يحاول، جاهدا، تكميم الافواه، فنسمع بين فينة واخرى اعتداء على مقر جريدة هنا أو مقر حزب هناك، كما حدث مؤخرا في البصرة والناصرية بالاعتداء الآثم على مقرات الحزب الشيوعي العراقي.

ولكن هيهات أن يسكت اصحاب الحق عن قول الحق!

وبالعودة إلى مطلع المقال نعيد على الاسماع ما قاله الشاعر في السبعينيات:

ثيلة شما تحشه اتزود

اتعب يحاصود

وصّانه فهد من مات

انخلف افهود!

عرض مقالات: