ليس وحده الكاتب مسؤول عمّا يكتب، فالقارئ أيضاً مسؤول. والكتابة الجيّدة بحاجة الى قارئ جيد كما يقول نابوكوف صاحب لوليتا. هل صحيح إننا نقرأ اليوم أقل من السابق؟. أظن أن الأمر معكوس، فالساعات التي تصرف على وسائل التواصل الاجتماعي (وهي ليست كلها عبث)، هي أيضاً ساعات للقراءة. لكن أي قراءة؟!.
لا يمكن مهاجمة التواصل الاجتماعي باعتباره رزيّة اجتماعية، او كما يسميه البعض آفة التواصل الاجتماعي. أبداً، لن يكون التواصل شيئاً سلبياً. فالتواصل الاجتماعي جزء أساس من محاور الحداثة الحتمية. حداثة لا يختارها القادة أو الملوك أو الحكومات. التواصل الاجتماعي هو نتاج طبيعي للتطور التكنولوجي المُسبغ، والذي لا يمكن، في أغلب الأحيان، الوقوف ممانعة في وجهه.
أذكر أن السودان قد شهد مع الموجة الأولى للربيع العربي (2010)، خروج تظاهرات عارمة. وكانت تظاهرات مطلبية سلمية. الا أن ندرة الوسائط الاتصالية أدّت الى فشل خروج الأخبار بالصورة والصوت من السودان. وبالتالي، بدا السودانيون وكأنهم يتظاهرون في صحراء منقطعة، لا تتأثر ولا تؤثر إلا قليلاً، فأخمد نظام البشير جذوتها دون أن يصل منها شيء يُذكر الى العالم. الأمر في مطلع عام 2019 اختلف تماماً. صارت لدى السودانيين أجهزة نقالة ذكية، وصارت الإذاعات والقنوات العالمية تتصل بمحدّثيها من الداخل، وبالتالي لم تعد احتجاجاتهم منقطعة ومنعزلة. والأهم، أن السودانيين يقرؤون ما يكتب عن حراكهم، ويفهمون تعاطف العالم معهم.
العلة في القراءة. العلة في التواصل عبر القراءة، لكن هل ستكون كل القراءات منتجة؟.... وهل سيكون هناك (ارتقاء)! مع هذه القراءة؟ هذه أيضاً معايير لا تحكمها الجودة بنصوص واضحة، بل ربما يصعب الحديث عن معايير بالأصل في نوعية القراءة. لكن المسار العام للتمدّن إذا تأثر إيجابا بنوعية القراءة العامة، فنحن على الطريق الصحيح، وإن حدث العكس، فالأوْلى أن تجري مراجعة نوافذ القراءة العامة ومؤثراتها.
لست مع وضع حواجز او (فلاتر)على القراءة، فآخر ما نحتاجه هو حارس للبوابة، لكني مع المراجعة، والنقد والتمحيص. على النقاد أن يتصدوا فيقولوا قولتهم في نوعية القراءة ونوعية الكتابة البناءة المحكمة في سياقها. سيكون لدينا معيار واضح، وبعد ذلك فالقارئ هو المسؤول عن رداءة ما يقرأ وليس الكاتب... القارئ هو المسؤول الأول، وليس غيره.

عرض مقالات: