طرحت فكرة انشاء مترو بغداد وقطارها المعلق على طاولة البحث من جديد وعلى ما يبدو في هذه المرة يبدو الامر اكثر جدية من المرات السابقة اذا علمنا ان عقدة التنفيذ في المرات السابقة كانت تتجلى في غياب امكانية تمويل انجاز هذه المشاريع الخدمية الاستراتيجية حسب الحجج والتبريرات التي تسوقها الحكومات المتعاقبة للتملص من مسؤوليتها في معالجة ازمة النقل في مدينة بغداد التي تفاقمت بشكل منقطع النظير بعد عام 2003.
ودلالات الجدية في طرح فكرة هذه المشاريع حاليا تتجسد في التصريحات الصادرة عن مصرف الرافدين والاعلان عن استعداده في تمويل مشروعي المترو والقطار المعلق كجزء من منظومة المشاريع التي يقوم الجهاز المصرفي بتمويلها برعاية البنك المركزي في عموم المحافظات وتشتمل على معامل الاسمنت والزجاج والبتروكيماويات وفي هذا التوجه يؤكد البنك المركزي قدرته ، ان صدقت النوايا ، على المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية تجسيدا لدوره الانمائي بالاضافة الى تنفيذ السياسة النقدية .
ان فكرة هذين المشروعين (مترو بغداد وقطارها المعلق) قد بدأت بواكيرها في عام 1978 اذ اقدمت وزارة النقل آنذاك على تأسيس هيئة للنقل السريع لانشاء مترو في مدينة بغداد ضمن خططها لانشاء السكك في البلاد ولهذا تم التعاقد مع الاستشاريين السويسريين والالمان (دروش) للقيام بدراسة الجدوى ووضع التصاميم الاولية، ومن بين اربع استراتيجيات مقترحة تم الاتفاق على المترو وان يتم بالتدريج استكمال بقية المشاريع وبما ان الشياطين تكمن في التفاصيل فقد تم التخلي عن هذا العقد الا ان وزارة التخطيط بوصفها الجهة المسؤولة عن تخطيط واقرار المشاريع قامت بالتعاقد مع الاستشاريين البريطانيين (سكوت ولسن كير بتريك) وشركائهم للقيام بالخدمات الاستشارية باشراف فريق يمثل وزارة التخطيط وامانة العاصمة ووزارة النقل ووزارة البلديات ومديرية المرور العامة وانتهى الموضوع في النهاية الى امانة العاصمة للشروع بالتنفيذ لكن الحرب العراقية الايرانية قد عطلت كل المشاريع.
وكجزء من مسؤوليتها فقد اعادت امانة بغداد بحث هذا الموضوع في عام 2007 وقامت بتخصيص ملياري دينار للقيام بمرحلة المسوحات والتصاميم التفصيلية كما خصصت مليار دولار لتنفيذ المشروع وظلت الفكرة تراوح في مكانها حتى عام 2013 اذ عادت الامانة لطرح المشروع على شركة سيسترا الفرنسية لتتولى تطوير التصاميم القديمة لتقفز الكلف التخمينية الى 5,7 مليار دولار وبغض النظر عن هذه التخمينات المبالغ فيها لغاية في نفس يعقوب الا ان الوضع المالي والامني كانا مؤاتيين لتنفيذ هذا المشروع وليتمتع البغداديون بمشاهدة صرح حضاري عملاق لكن حسابات السياسيين المتنفذين للربح والخسارة حالت دون تحقيق هذا الحلم.
وعلى الرغم من خلو البرنامج الحكومي الحالي من هذه المشاريع الاستراتيجية التي يتوجب ان تكون ضمن الاولويات نظرا لحاجتها الى وقت طويل لتنفيذها، الا ان اهميتها لم تنته بتجاهل ادراجها ضمن هذا البرنامج خصوصا وان العائق الاكبر قد تم حله من خلال رعاية البنك المركزي والجهاز المصرفي الحكومي الذي يستحق رفع القبعة له احتراما وتشجيعا ونأمل الا يكون حاله حال مشروع الاقراض لخمسة مليارات دولار (6 تريليون دينار) السابق الذي علق على الرفوف العالية. ان تحويل هذا المشروع الى واقع يستلزم اتباع خطوات اساسية تتلخص بالآتي:
تشكيل لجنة عليا من وزارات التخطيط وامانة بغداد ووزارة النقل ووزارة البلديات ومديرية المرور العامة ومصرف الرافدين المكلف بالتمويل بصلاحيات كافية لاعادة دراسة التصاميم النهائية التي جرى تطويرها من قبل شركة سيسترا الفرنسية وادخاله ضمن البرنامج الحكومي على ان يتواءم التصميم النهائي مع تعاظم الكثافة السكانية في مدينة بغداد.
عرض المشروع على شركات استثمارية عالمية معروفة برصانتها وخبرتها العالية ومن الممكن دعوة نفس الشركات التي سبق وان تقدمت بطلبات التنفيذ وهي شركات نمساوية والمانية وفرنسية وامريكية وروسية وكورية جنوبية بالاضافة الى الشركات البريطانية مع الاخذ بنظر الاعتبار الافضلية للشركة التي تسهم بشكل جاد في تعمير المدن التي خربها الارهاب.

عرض مقالات: