منذ خمسين عاما والعراقيون يدفعون ضريبة، بطش حكامهم، دما ومهانة. فالصنم الذي سقط في التاسع من نيسان قبل ستة عشر عاما، صال وجال، وقتل واغتال وعذب، بشكل مباشر او غير مباشر، منذ الانقلاب الأول الذي نفذته مجموعة مشبوهة من المتآمرين وخونة الشعب والوطن عام 1963. ومنذ ذلك التاريخ والمواطن لم يعُد بقاؤه على قيد الحياة إلا ضربة حظ!
كل الناس تموت بالصدفة إلا العراقي فإنه يعيش بالصدفة!
وعاش المواطن بين لظى الحروب العبثية المدعومة بفرق الإعدام في خطوط المواجهة وفرق التفتيش الحزبية "البعثية"، التي تطرق الابواب في اي وقت تشاء، إلى سنوات الحصار العجاف التي اكل فيها ذلك المواطن الوحل!
وسقط الصنم ليسقط معه نظامه المدجج بالسلاح وبأفكار زائفة عن الاشتراكية والحرية والأمة، وشعارات جوفاء عن قضية العرب الاولى، فلسطين، وعروسها القدس، مع ان ذلك النظام كان السباق بالمساهمة في ذبح فلسطين!
سقط الصنم بعد أن فتح أبواب الوطن للمحتلين، وكانت نتائج الاحتلال الكارثية ماثلة أمام العين، ولهذا وقف شرفاء هذا الوطن موقفهم المبدئي الرافض للحرب وللدكتاتورية!
وكنا نمني النفس بأن تسقط أفكار ذلك النظام بسقوط رموزه، إلا أن من جاء إلى الحكم طيلة هذه الفترة سحب المواطن من بساط المعارضة لذلك النظام إلى الترحم عليه! فبعد تلك الحملة الإيمانية الكاذبة جرى غسل أدمغة شريحة واسعة من الشباب، ليتحول قسم منهم من " فدائيو صدام" إلى قادة في تنظيم داعش سيئ الصيت. وليخلع البعض منهم " الزيتوني" ويستبدله بالخواتم ولبس الدشداشة سوداء كانت أم بيضاء!
أكثر ما يحتاجه مجتمعنا هو تربية النشء الجديد على أفكار المحبة والتآخي وقبول الآخر. اجتثاث الأفكار لا يحتاج إلى " شرطي" بل إلى سن قوانين للتربية والتعليم تأخذ بنظر الاعتبار الطابع الموزائيكي للمجتمع العراقي، وتعتمد على تفنيد كل الأفكار الفاشية.