يقال ان الصينيين هم أوّل من فكر باستنزال المطر بوسائل علمية. أقصد لم يركنوا الى الدعاء أو التضرّع المجرّد، أو ربما ركنوا إليه إلّا أنهم لم يكتفوا وانتقلوا الى مرحلةٍ عملية من محاولات إنزال المطر صناعياً. وخلال عصر الطيران الأول، عادت وتجددت آمال الباحثين عن هذه الوسائل، وكان الأساس العلمي هو نفسه في كل المحاولات، قديمها وحديثها. الأساس هو رش الغيوم عالية الكثافة بمساحيق عالية الدقة(جزيآتها صغيرة للغاية)، ومع وجود فرق في الشحنة، ستكون هناك فرصة أكبر أن تتحول هذه الجزيئة الدقيقة الى نقطة جذب تتجمع حولها جزيئات الماء فتهطل قطرة ثقيلة، يتأيّن المجال حولها فتساعد باقي القطرات على التشكّل. هذه خلاصة الحكاية.
الحاجة للأمطار هي التي دفعت الإنسان الى التفكير في استنزالها عملياً. وما مر به العراق من سنوات جافة قاسية ستدعوه اليوم الى التفكير مجدداً في إحياء كل مشاريع الرّي المتاحة. لقد حملت بعض تصاريف الأنهار التي تصب في السدود سيولاً أكبر من سعة التصريف، وبالتالي كان هناك متراكم إستثنائي وخزين من الماء سيكفي للعام القادم أو ربما يتعدّاه الى العام الذي يليه. لكن الإيجابي في هذه الحالة أنها حوّلت مسألة الأمطار الى قضية رأي عام تنال الاهتمام. ودفعت الإجراءات الحكومية الى المزيد من التدقيق والعزم، وعدم ترك الأمور للصدف كما حدث في الأعوام السابقة.
هذه الأمطار، على وفرتها وغزارتها، لم تمح صورة البصرة العطشى التي خرجت تتظاهر بعد ان انخفضت مناسيب شط العرب الى مستويات حرجة، وصارت محطات الاسالة تسحب المياه المالحة الصاعدة من الخليج، والتي زحفت على بساتين النخيل فآذتها وآذتنا بل جرحتنا في كرامتنا كعراقيين معلقة قلوبهم بمرأى النخيل. خزن المياه صار همّا عراقياً يحمله المواطن العراقي ويُساءل عنه المسؤول المعني. ومن الأمطار(الطبيعية)الاستثنائية، استعادت هذه العلاقة زخمها، إذ لن تنتهي مشاعر اللامبالاة الى نفع أي طرف، سواء المواطن الذي بدا غير مكترث في مرّات عدّة، أو المسؤول الذي بدا مرتاحاً لعدم الاكتراث هذا.
الأمطار الطبيعية أعادت لنا التذكير بأن العراق بلد قام على الزراعة، وأنها ممكنة جداّ مع هكذا أمطار تسد مسدّ الجفاف في فصوله، ولا حاجة لأمطار صناعية بعد ذلك.

عرض مقالات: