تشكل الصناعات البتروكيماوية الدعامة الاساسية للصناعة الوطنية وخاصة الصناعات التحويلية وأساس مزاياها الاستراتيجية وجود موادها الاولية في العراق، فضلا عن سوقها الاستهلاكية التي تتجسد في ملاءمة مخرجاتها الصناعية لمعظم الصناعات التحويلية في القطاعين العام والخاص، وكذلك في معظم القطاعات الاقتصادية لهذا تعتبر هذه الصناعات مصدرا رئيسا للدخل القومي وتحقيق الفائض الاقتصادي ومن هنا تأتي اهميتها بالنسبة للاقتصاد الوطني ما يتعين على الحكومة العناية الكبيرة بها بوصفها راعيا وداعما لا حارسا.
ان مراجعة السياسات الاقتصادية الحكومية بعد عام 2003 حتى المرحلة الحالية بما في ذلك المنهج البرنامج الحكومي يتبين لنا ان المنطلقات الحكومية على امتداد هذه الفترة تستند على نظرية اقتصاد السوق بالرغم من ترددها الواضح في تطبيق مبادئ هذا الاقتصاد بدليل اهمالها التام لتنمية القطاع الخاص وتمكينه من احتلال دوره في عملية التنمية الاقتصادية وظلت طيلة هذه الفترة تدور في فلك ما يسمى بالتكيف الهيكلي. ففي البرنامج الحكومي الراهن تم التأكيد على احالة 34 منشأة اقتصادية الى اسلوب المشاركة او الاستثمار دون توضيح شكل ومحتوى هذه الصيغ البرنامجية في اطار (عرض المنشآت المتوقفة او الخاسرة وطرحها للمشاركة والاستثمار او البيع للمواطنين وتحويلها الى شركات مساهمة رابحة يملكها الشعب بشرط تشغيلها واستيعاب العاملين المنتجين فيها...الخ)، مع ان الجزء الاعظم من هذه الشركات كانت رابحة ويحظى عمالها بنسبة طيبة من الارباح الا ان عدم قيام الحكومة باعادة تاهيلها والابقاء على ادارات فاسدة او عديمة الكفاءة بشكل مقصود في محاولة لخصخصتها عبر مفاهيم مشوشة وفضفاضة، كلها قادت الى خسائر بعضها.
ان وزارة الصناعة وهي الجهة المعنية قبل غيرها في رسم السياسة التصنيعية لم تقم بدورها كما ينبغي فلا تختلف من حيث الجوهر عن المنطلق النظري لشكل ملكية المنشآت الصناعية التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة بل لم تحاول معالجة الاسباب التي ادت الى توقف مجمع البتروكيماويات في محافظة البصرة مثلا وهو ابرزها، وبالاضافة الى التدهور الامني هناك ضعف التنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة العلوم والتكنولوجيا قبل ربطها خطأ بوزارة التعليم العالي ما يؤشر الى العجلة في تقييم دور هذه الوزارة في تنشيط اعمال معظم الوزارات وخاصة الانتاجية منها، زد على ذلك ضعف التنسيق مع مراكز البحوث العالمية والتشبع بتجاربها الناجحة خاصة في ميدان الخبرات الفنية فضلا عن ضعف تجهيزها بالطاقة الكهربائية. ولا ننسى ضعف دور الشركات ذات الاختصاص في عمليات الاستخراج والتكرير الموجه للصناعات البتروكيماوية.
ان اعادة تأهيل المنشآت البتروكيماوية من قبل الدولة وهي من صلب وظيفتها في اعادة بناء الاقتصاد واداء دوره الاجتماعي، وتمكينها من تجاوز مشاكلها بما يعود بالفائدة على تحريك مجمل القطاعات الاقتصادية الاخرى التي تشكل عصب التنمية المستدامة ودورها في الانتاج المحلي الاجمالي وتشغيل العمالة العراقية والتقليل من الكلف الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنويع مصادر الدخل، يتطلب سلسلة من الاجراءات نشير الى بعضها في الآتي:
1. الادارة المباشرة من قبل الدولة للصناعات البتروكيماوية في اطار سياسة اقتصادية عقلانية واضحة وتخصيص المزيد من الموارد المالية للاستثمار في التفريعات التحويلية الافقية والعمودية لهذه الصناعات وتشجيع الاستثمار الخاص في بعض مراحل الانتاج والاستفادة من مخرجاتها لحساب القطاع الخاص.
2. التنسيق الفعال بين وزارة الصناعة ووزارة التعليم العالي بجانبيه العلمي والتكنولوجي من اجل بناء قدرات معاصرة تعتمد المعرفة والابداع والسعي مع المراكز البحثية الاجنبية في الدول الناجحة للاستفادة من تجاربها وخبراتها الفنية.
3. اختيار الادارات الكفوءة والنزيهة لادارة المشاريع المهمة في هذا القطاع الصناعي الحيوي من اجل تحقيق الفائض الاقتصادي وتحويل التراكم المالي الى الدورة الاقتصادية وتعزيز قدرته التنافسية لمواجهة المستورد الاجنبي الذي يغزو السوق العراقية بعد توقف مجمع البتروكيماويات للاسباب التي ذكرناها نتيجة سياسة الاغراق التي تتبعها بعض الدول.

عرض مقالات: