يواجه الكثير من الناس مشاكلهم بالهروب إلى الأمام، أو القفز عليها والعبور إلى غيرها، ظناً منهم أن ذلك هو الطريق الأسلم لمعالجتها والتعاطي معها، لعل المستقبل يكون كفيلاً بتوفير ظروف أفضل لحلها، أو أنها سوف تتلاشى من تلقاء ذاتها، أو من قبل الآخرين، متناسين أن تركها في منتصف الطريق، أو عدم التصدي لها بنجاح في وقت ظهورها، سيؤدي لا محالة إلى تفاقمها، وبالتالي صعوبة إيجاد حلول مناسبة لها لا حقاً.

وربما يتكئ البعض على المثل الشعبي المعروف (ما يجبرك على المُر غير الامرّ منّه) لتبرير اللجوء إلى حلول بعيدة عن الواقع، ولا حظوظ لتنفيذها. إلا أن الأكثر شهرة في الممارسة العملية، هو التعامل بردود الأفعال على الصعيدين السياسي والاجتماعي.

غالبية السياسيين في العراق، وفي مقدمتهم المتنفذون، والمسؤولون عن إدارة شؤون البلد، يتعاملون بهذه الطريقة البائسة، دون أن يكلفوا أنفسهم، رسم سياسة عقلانية، تعالج المشاكل والصعوبات القائمة، أو التي ستطفو على السطح مستقبلاً، ولكن من أين لهم هذا؟ ففاقد الشيء لا يعطيه، ولذا تراهم يلهثون وراء الأحداث المتسارعة ويتخذون قرارات تزيد الطين بلّة، وبضمنها القرارات التي تخدم مصالحهم الشخصية.

الأخوة الذين يلوحون من جديد بإقامة إقليم في البصرة، وكأنه الحل السحري الذي سينهي معاناة البصريين الرهيبة، ينتمون إلى هذا النوع من الحلول، فردّة الفعل على الغبن الكبير لأبناء البصرة، والظلم التاريخي لرئة العراق الاقتصادية والثقافية، جاءت متسرعة، ولا تخلو من أجندات سياسية.

الحل لا يكمن أبداً في تحول المحافظة إلى إقليم، فهذا ليس أكثر من وهم، لان الذين يديرون شؤونها حالياً، سيتولون القيادة مجدداً إذا صارت إقليماً، فماذا سيقدمون لأبنائها المكتوين بنار الفساد والمخدرات والدكَات العشائرية، وانعدام الخدمات، غير الفشل الذريع، وامتلاء جيوبهم على حساب كادحيها وذوي الدخل المحدود من مواطنيها، رغم الأموال الطائلة التي ترصد لها، وآخرها (850) مليون دينار تبخرت وبلمح البصر على موقد النهب والفرهود.

كما أن المطالبة بالإقليم في هذا الوقت بالذات، حيث الصراعات العبثية على أشدها، وراية المحاصصة هي الأعلى وثمرتها المرة في التهالك على المناصب والمال الحرام، سيزيد من ضعف الوحدة الوطنية إلى مديات تهدد بتمزيق العراق وتقسيمه!

إن الإصرار على المطالبة بالحقوق المسلوبة، واستمرار الحراك الشعبي، والمظاهرات الحاشدة، والبصرة سباقة دائماً في ممارسة هذا النوع من النضال الجماهيري السلمي، مقروناً بالسعي لتحويله إلى سيل جارف تشارك فيه الملايين، هو الذي سيغير المعادلة السياسية الخاطئة القائمة الآن، إلى معادلة أخرى، تلبي مصالح الشعب وتبعد الانتهازيين، وعديمي الكفاءة وسارقي قوته وخيراته.

إن توحيد القوى والطاقات الهائلة التي يزخر بها شعبنا المبتلى بمن عاث الفساد خراباً في ضمائرهم، في جميع محافظات ومدن العراق، وفي طليعتها البصرة الفيحاء، سيكون الرد

العلمي والعملي في آن واحد، على من يريد إدامة هذا الوضع الشاذ، والمعادي لطموحات الغالبية العظمى من العراقيين.

إنه الطريق الذي لا طريق غيره، لتحقيق ما نصبو إليه جميعاً، ونحلم به آناء الليل وأطراف النهار.

فلنحول الحلم إلى واقع فعلي، يشمل كل تفاصيل حياتنا، ويقودنا إلى النعيم الحقيقي، وليس المزيف.

عرض مقالات: