البلاد بلادنا ونديرو راينا (البلد بلدنا ونحن احرار في إدارته) كان الهتاف الابرز، الى جانب النشيد الوطني الجزائري (قسماً..) وقد صدحت بهما حناجر الجزائريين الذين حملوا الاعلام حتى ساعة متأخرة من الليل وهم يحتفلون باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، معبرين عن انتصار حراكهم بعد سادس أسبوع من انطلاقه.

لم يعلن الرئيس الاستقالة بنفسه، ولا تلتها شخصية رسمية مكلفة بذلك. بل صدرت اولا كخبر عاجل في اشرطة شاشات القنوات التلفزيونية، ما حال دون إقدام الشعب فورا على الاحتفال، بانتظار التأكد من قرار الاستقالة خشية ان يكون الخبر فخا جديدا للناس.

لقد اجبرت الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي انطلقت يوم الجمعة 22 شباط 2019، الرئيس بوتفليقة على الاستقالة. حيث انهت مطامحه ومعها سعي المؤسسة العسكرية الى منحه الولاية الخامسة، ووضعت حدا لحكمه قبل 26 يوما من إتمام ولايته الرابعة. وجاء ذلك بعد عشرين سنة من تربعه على كرسي الرئاسة، رغم مرضه في السنوات الاخيرة واعتماده في الحركة على كرسي متحرك، وغداة ترديد قوى كثيرة من المحيطين به اصداء غضب الجماهير، وتخلي قادة الجيش عنه ومطالبتهم اياه في رسالة صارمة بالتنحي الفوري.

 وجاء في قرار الاستقالة الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية "إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانا واحتسابا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني البلاد وعقولهم، لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الافضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا".

والمستقبل الافضل كما طالب به المحتجون مرتبط بتغيير بنية النظام، الذي تتحكم به الفئة الممسكة بالحكم بقبضة حديدية، مستثمرة السلطة وامتيازاتها لتعزيز تسلطها. لذلك طالبت قيادات الاحتجاجات بأن لا يكون قرار التنحي التفافا على المطلب الاعمق للشعب الجزائري، مطلب رحيل رموز النظام ومنهم رئيس حكومة تصريف الأعمال. بل ان القرار يفترض ان يكون دافعا أكبر لتنحية كل من ارتبط اسمه ببوتفليقة في مناصب السلطة. فقرار التنحي هو الخطوة الأولى نحو التغيير الجذري للنظام، ما يتطلب تغيير كل المقربين من السلطة والشخصيات المعروفة في النظام. ويبدو ان المحتجين قد حددوا هدفهم بوضوح، وهو رحيل بوتفليقة ومَن حوله، بعد انهيار المناورات ومنها الأطروحة التي قدمها بوتفليقة لاجراء انتخابات لا يترشح لها في غضون سنة.

لقد التحق بوتفليقة بالرؤساء المغضوب عليهم من شعوبهم، رؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن الذين سقطوا تحت ثقل شعارات الرحيل الصارخة من أفواه الملايين الساخطة.

هكذا نجحت الاحتجاجات الشعبية في الجزائر باجبار بوتفليقة على الاستقالة، بعد ان تخلت عنه المؤسسة العسكرية التي كان يمثلها. والسؤال هو: هل يتكلل الكفاح الشعبي بانتزاع السلطة من المؤسسة العسكرية، ام ان القرار النهائي سيبقى في يد هذه المؤسسة، وتظل هي قادرة على اعادة انتاج نفسها، كما في التجربة المصرية؟

هذا السؤال المحوري هو ما ستجيب عنه الايام!

عرض مقالات: