معاهدة بورتسموث، هي المعاهدة سيئة الصيت، التي عقدت بين حكومتي بريطانيا والعراق في مثل هذا الشهر من عام 1948 وقد سمحت المعاهدة بتكبيل العراق سياسيا واقتصاديا، ونشر خبرها عضو الوفد العراقي في المفاوضات بلندن فاضل الجمالي حين صرح لوكالات الأنباء في السادس من كانون الثاني 1948 بأن الحكومة العراقية، مقبلة على توقيع الاتفاقية! ورغم محاولات الجمالي تجميل الاتفاقية إلا أن الشعب كان يدرك أن حكومة ضعيفة ووزارة فاسدة لا يثق بها لا يمكن أن تحقق امانيه في استقلال سياسي ناجز وحياة رغيدة!

وسرعان ما شككت الأحزاب الوطنية بالاتفاقية، وبالأخص الحزب الشيوعي العراقي، وشكلت اللجان وتم تحشيد الجماهير ضد الاتفاقية، وشكل طلبة الجامعات والمعاهد والثانويات لجانا خاصة بهم وانضم إليهم المعلمون والمثقفون وشرائح واسعة من عموم الشعب العراقي وانطلقت التظاهرات خلال شهر كانون الثاني، بعد أن توسعت مطالب الجماهير التي يمكن تلخيصها بالتالي:

- رفض المعاهدة الجديدة والمطالبة بالغائها .

ـ اسقاط حكومة صالح جبر التي وقعتها وحل مجلس النواب.

ـ جلاء القوات البريطانية عن العراق فورا.

ـ توفير لقمة العيش باسعار معتدلة.

ـ تحقيق الحريات السياسية واجازة الاحزاب والنقابات.

وكانت التظاهرة الضخمة، التي زعزعت كيان حكومة صالح جبر ومعه المستعمر الانكليزي، قد انطلقت في 27 كانون الثاني من منطقة الشواكة في الكرخ لتعبر جسر المأمون (افتتح عام 1939 وسمي لاحقا جسر الشهداء) في اتجاه ساحة الرصافي حاليا، فواجهتها قوى الحكومة القمعية بالرصاص وسقطت مجموعة كبيرة من الشهداء بمختلف الأعمار والمهن، ومن مدن عراقية مختلفة مثل بغداد، بصوبيها الكرخ والرصافة، والفلوجة والنجف والسليمانية والكوفة وغيرها من المدن. واطلقت على هؤلاء الشهداء تسمية شهداء معركة الجسر. وبالرغم من أن التظاهرة كانت سلمية، إلا أن الحكومة العميلة الغارقة بالفساد وشراء الذمم لم تتورع عن إطلاق النار وبكثافة على المتظاهرين، ليسقط أكثر من عشرين شهيدا وثلاثين جريحا.

وكان من أبرز الاسماء التي حفرت في الذاكرة اسم الشهيد جعفر الجواهري شقيق الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي قال في يوم تشييعه (تحول التشييع إلى تظاهرة كبيرة):

أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ               بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ

أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد           تظَلُّ عن الثأر تستفهِم

أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد         مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم

أطالب في نهاية هذه السطور في مناسبة الذكرى الحادية والسبعين لوثبة كانون، أمانة بغداد والمعنيين الآخرين،  بأن يكّرم هؤلاء الشهداء بخط قطعة نحاسية تحمل أسماءهم، توضع على مداخل جسر الشهداء مع موجز عن الواقعة.

فالأمم المتحضرة لا تنسى أبطالها الذين استرخصوا دماءهم من أجل عزة وكرامة واستقلال اوطانهم!

عرض مقالات: