التطرف بكل أشكاله ولأية طائفة كان يصب، حتما، في مصلحة أفكار داعش.. وتكفير الآخر لا يساهم إلا في تأجيج التطرف المقيت، وهو ما تصبو إليه القوى التكفيرية والظلامية، خاصة في بلد موزائيكي - ملون مثل العراق، الذي تتعايش على أرضه مختلف القوميات والأديان والطوائف. لذا نحتاج إلى خطاب ديني جديد يراعي هذا التلون، ولا نحتاج أن يُسمعنا من يجلس على هرم المؤسسة الدينية خطاباً ماضوياً متعصباً خالياً من أية قيمة انسانية!
لا بد ان نشير الى اهمية الاعلام في هذا المضمار، بمختلف تشعباته وتقنياته، ويمكن للمثقفين ان يلعبوا دورا ايجابيا في اذابة اي جليد بين ابنائه، وليس كما نرى على بعض صفحات الفيس بوك، التي تنضح طائفية وكراهية! وتساهم عن قصد أو بدونه في تشويه الأفكار الخيرة وتزيد نار التفرقة حطبا!
الاعلام الحكومي ممثلا بشبكة الإعلام العراقي خطا خطوة أولى في الطريق الصحيح حين نقلت القناة الرسمية العراقية، وعلى مدار ايام وبشكل كثيف، جميع الاحتفالات الخاصة بأعياد السيد المسيح ورأس السنة ( وكأني بالشبكة ترد، بدل الحكومة، على من تطاول على اخوتنا المسيحيين وعلى من يحتفل معهم بأعياد رأس السنة!)، بالإضافة إلى الحرص على تقديم برامج بلغات محلية مختلفة سواء مرئية أو مسموعة!
بدون التنوع الديني والعرقي في بلادنا لا يمكن ان نتحدث عن عراق واحد وموحد، ولكي يكون هذا العراق عادلا يجب ضمان حقوق كل المكونات، التي يتشكل منها الشعب، ثقافيا وفكريا وانتماءً.
خطوة الشبكة، رغم اهميتها، لا تكفي للحديث عن ضمان حقوق لهذا المكون أو ذاك، وعليه لا بد للحكومة من تشريع قانونٍ، شبيه بذاك الذي يدين " الدكة " العشائرية ويجرّم كل من يحاول أن يفضل انساناً على آخر باسم الدين أوالقومية، أو "يتفوه" بما يساعد على شق الصف الوطني! وشمول من تسول له نفسه على هكذا فعل، كتابة أو تصريحا أو تلميحا، بالقانون 4 إرهاب!
وهناك خطوة أخرى، لا افهم لِمَ لم تقدم عليها الحكومات السابقة، وهي رفع الدين أو العرق من الجنسية العراقية!
ألا تكفي صفة "العراقية" في الجنسية، فتغنينا عن ذكر دين المواطن أو عرقه، مثل ما هو معمول به في الدول الحضارية المتقدمة؟!
ولكي نربي جيلا جديدا متسامحا ومتآخيا، لا بد من مراجعة البرامج التربوية لمختلف المراحل، وحذف كل ما يدعو للكراهية وابداله بما يدعو للمحبة والألفة.
ان تاريخنا العربي، قبل وبعد الاسلام، زاخر بنصوص تدعو للتآخي والمحبة. فلنأخذ بها ونترك جانبا اصحاب " داحس والغبراء " ، وبقايا تبعات "الحروب الصليبية" إلى مزبلة التاريخ التي تليق بداعش ومن لف لفهم من اي طرف كان!