بعد سنوات عجاف لم تحمل الينا الموازنات السنوية السابقة سوى شحة في الخدمات وشد الاحزمة على بطون المواطنين المتعبين وحزم طائلة من الرسوم، التي قالت بها قوانين الموازنات طيلة السنوات الاربعة الاخيرة، تفرضها اجهزة الدولة مقابل خدمات بائسة من كهرباء وماء وخدمات صحية، وآمال ضائعة بددتها السياسات الاقتصادية، تأتينا موازنة 2019 لتحمل الينا نفس المنطلقات بفضل نصائح صندوق النقد الدولي!
وتأتي مسودة الموازنة الجديدة لعام 2019 التي تشكل ثاني اكبر موازنة مقرة منذ عام 2003 وتبلغ قيمتها 132 تريليون دينار عراقي، كآخر حلقة في سلسلة الموازنات السنوية منذ التاريخ المذكور التي بلغ مجموع قيمها 954 مليار دولار انفقت بمخالفات صادمة قادت البلاد، امام اعين القوى السياسية النافذة التي حكمت العراق، الى مزيد من الفقر الذي زادت نسبته على 30 في المائة من اجمالي سكان العراق والى انهيار البنى التحتية.
وتأتي الموازنة هذه المرة دون ان تأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي يتداولها الاقتصاديون والمتابعون للشأن الاقتصادي وفي المقدمة منها ما وصف الموازنات السنوية بكونها اداة لتوزيع الدخل بين المواطنين وهي في جوهرها تحقيق العدالة بدون تمييز بين العراقيين التي اكدها الدستور العراقي وتجد تعبيرها في مسألتين اساسيتين الاولى تتمظهر في توفير الخدمات الاساسية التي توفر للعراقيين التعليم والصحة والكهرباء والخدمات البلدية والثانية تتمظهر في اعطاء الاولوية لعملية التنمية الاقتصادية ببعدها الاجتماعي من خلال تنشيط عمليات الاستثمار بمستوياته المتعددة لتكون رافعة اساسية في معالجة ظاهرة البطالة وتنشيط الحركة التشغيلية في القطاعين الحكومي والخاص. وهو ما تفتقر اليه الموازنة الحالية.
والمهمة الاخرى التي تنهض بها الموازنات السنوية بوصفها اداة تخطيطية لعام كامل تتمثل بالعمل على معالجة الاشكاليات الكبرى التي افرزتها الحرب على الارهاب وتتجسد باشكاليتين الاولى اعادة النازحين والثانية اعادة بناء المدن المدمرة وفي المقدمة منها محافظة نينوى ومحافظة الانبار ومناطق اخرى في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين واعطائها اولوية في التنفيذ ولا يتوهمن احد ان هذه الموازنة ستحقق الحل النهائي لازمة الدمار الذي قوض القاعدة التحتية في تلك المحافظات ولكن التخطيط الحصيف هو الذي يفتح بوابات الامل امام منكوبي هذه المدن. وتشير بعض المعطيات المتوافرة الى ان التخصيصات الاعتيادية لهذه المدن في السنوات السابقة كانت بحدود (10) في المائة فيما لا تحظى الان باكثر من (0،5) في المائة دون ان ننسى ما اصاب مدينة البصرة التي تعرضت الى كارثة بيئية غير مسبوقة واعطيت من الوعود دون ان تجد تغييرا في مأساتها على الارض.
والملاحظة الاخرى تتعلق بسوء ادارة الموازنات السابقة حيث ادت الى انفلات الانفاق لدرجة ان معظم التخصيصات في الموازنات التشغيلية والرأسمالية قد تعرضت الى النهب والهدر المالي وما زالت اكداس ملفاتها تعج بها ادراج الاجهزة الرقابية والقضائية دون ان تنال حظوة من المحاسبة بل كان حظ الفاسدين هو الاوفر من خلال قوانين العفو والسبب في كل ذلك ان البرلمان في دوراته الثلاث السابقة قد اهمل بشكل متعمد تنفيذ المادة 62 من الدستور التي اوجبت ربط الحسابات الختامية ومناقشتها مع الموازنات السنوية في نفس الوقت للتأكد من طريقة انفاق موازنة السنة السابقة واوجه هذا الانفاق وقد بينت دراسة الحسابات الختامية لعام 2011 هدر ما لا يقل عن 100 مليار دولار للفترة السابقة لها مما يتعين الزام وزارة المالية بإعداد هذه الحسابات لمناقشتها مع موازنة 2019.
ولا يفوتنا ان نشير الى ان مسودة الموازنة اظهرت عجزا يربو على 26 تريليون دينار وهو في كل الاحوال عجز تخميني وبما ان كل الارقام الواردة في المسودة تخمينية فلابد ان تؤخذ التوقعات في زيادة اسعار النفط بعين الاعتبار خصوصا وان السعر المخمن لبرميل النفط 56 دولارا يؤشر الى امكانية تحقيق فوائض نقدية لا تغطي العجز فقط وانما لتوظيفها في تحسين النفقات وتعزيز الموازنة الاستثمارية وبالتالي تحسين مؤشرات التنمية.

عرض مقالات: