تبرز موضوعة انتخاب محافظ جديد لكركوك على جدول اعمال مجلس المحافظة الذي يغلب عليه الاستقطاب السياسي، يصاحب ذلك جدل اختلال تمثيل الأطياف فيه.
والحق، ان المحافظة وكما يقال، هي عراق مصغر، لما تحتويه تركيبتها السكانية من تنوع قومي وديني وطائفي. وهناك من يقول، وهو على صواب، ان كركوك هي بوابة الاستقرار في العراق، لذا يكمن الرهان على جعل هذا التنوع في المحافظة، قوة وثراء، رهانا وطنيا بامتياز، وليس عامل فرقة وانقسام وتهميش وتشتت.
تخبرنا تجارب حل النزاعات التي شهدتها شعوب العالم وبلدانها، ان الحل الممكن دوما يبدأ في لحظة الاتفاق على المشتركات وجعلها أولوية أساسية في الحوار. فيما يستحيل الحل عندما ينطلق الحوار على أرضية المحاصصة الطائفية والقومية وحساباتها غير المنطقية.
يمكننا القول بثقة، إن الحل لأي مسألة في العراق، وبضمنها كركوك، هو ممكن ومتاح اذا وضعت المواطنة كركيزة للحوار.
بطبيعة الحال، ان هم كل مواطن في كركوك، كما هو حال المواطن في المدن العراقية الاخرى، مع الأخذ بنظر الاعتبار خصوصية المحافظة، هو الامن والاستقرار والعيش الكريم.
وهذا لم يكن يوما ضمن اهتمامات القوى المتنفذة، التي تسعى دوما الى الانتفاع من السلطة ومكاسبها، غير مهتمة بعيش المواطن وسلامته وامنه، بقدر اهتمامها بالمال والنفوذ.
يبدو ان التجارب المريرة التي مرت على كركوك، كالاحتراب السياسي، والتزمت بالمواقف والسعي للاستحواذ والتهميش وإلغاء الآخر، لم ينتفع منها احد، ولم تحسم الأمور لصالح أي طرف.
الوضع الراهن، لا يحتمل المزيد من التعقيد وزج المواطنين اكثر في صراع مصالح المتنفذين، الذين لا مصلحة لهم فيه. اذ كلما تضخمت وارادات المتنفذين يزداد فقر المواطنين ويتسع عوزهم وترتفع البطالة بين صفوفهم وتتردى الخدمات اكثر.
لذلك، تبرز اليوم حاجة الى حلول ناجزة ومقبولة، انطلاقا من رؤية تعزيز الحل الداخلي عبر ترسيخ مفهوم المواطنة، وهذا يستدعي استبعاد كل التدخلات الإقليمية، والتي لا تساعد على الحل انما تعمق الخلاف اكثر وتعقد المشكلات وتزيدها تشابكا.
ويتطلب من جهة أخرى استبعاد تأثيرات القوى السياسية من خارج حدود المحافظة، والتي تتحكم بها، اذ لا يستطيع إيجاد الحلول الواقعية الا أبناء المحافظة، فهم الأدرى بواقعهم واحتياجاتهم وتفاصيل أوضاعهم.
كما يتطلب عند تشكيل لجان التفاوض ان تكون عناصرها مقبولة من كل الأطراف، واستبعاد المتطرفين والموتورين.
لجان التفاهم المقترحة تلك، يجب أن تتشكل من الشخصيات القادرة على إيجاد حلول واقعية مقبولة، تمكن الجميع من الاسهام الفعال في إدارة المحافظة، وابعاد تأثير المتنفذين وصفقاتهم ومساوماتهم على حساب الاستقرار والتنمية.
ورغبة في التأكيد، أقول: لا حل ينتج استقرارا من دون الاستناد الى موضوعة المواطنة، وترسيخ التنوع باعتباره قوة وثراء وليس عنصر فرقة وانقسام.