من المؤكد ان الناس كانت تتوقع وتريد غير هذا الذي حصل في خصوص تشكيل الحكومة الجديدة، والذي يمكن ان يقال عنه انه حمل مفارقات عدة ، بل وحتى تناقضات .
ومن الواضح ان خطين متوازيين ( خط الاصلاح وخط الاعاقة ) قد تحركا فيه ، ولكن لم يكن لأي منهما الدور المهيمن ، فجاء يقول الشيء ونقيضه في آن.
ولَم يكن هذا بعيدا عن الانتخابات البرلمانية، وما افرزت من نتائج تؤشر توازنات قوى غير حاسمة . وعند دفع الامور الى نهايتها المنطقية فان الناخب، سواء الذي صوت او الذي لم يصوت، يتحمل قدرا غير قليل من المسؤولية عما حصل. وها هو هذا الناخب بشقيه ، يئن اليوم من جديد تحت وطأة الأزمة العامة وتجلياتها المتعددة ، فيما الموازنة التي يحتدم الجدل حولها لا تستجيب حتى للوعود التي أغدقت ، سواء في الحملة الانتخابية أم تحت ضغط الجماهير التي انتفضت في تموز ٢٠١٨ وما تلاه من أيام .
وتبقى مسؤولية الكتل التي اصرت على ابقاء خيوط المنهج الفاشل ذاته في تشكيل الحكومات السابقة ، مسؤولية كبيرة ، وكبيرة جدا ، في اخراج حكومة دار بشأن بعض عناصرها قبل ولادتها العسيرة ، وما زال يدور الكثير من الشبهات. وقد يضطر البرلمان عاجلا الى اجراء جراحي، بعد تاكيد هيئة المساءلة والعدالة ان هناك وزيرين مشمولين بإجراءاتها ولَما يكتمل شهرها الاول بعد ، فيما الحبل على الجرار في شأن شبهات الفساد اوالتورط بأعمال ارهابية، وكل ذلك على ذمة ما ينشر ويقال ، وبعضه مدعم بالوثائق. وهذا اللغط الكثير والشبهات التي تروى ، في انتظار القول الفصل من طرف الجهات ذات العلاقة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
كل هذا يحصل وكابينة السيد عادل عبد المهدي بانتظار جولة جديدة لاستكمال قوامها، وكل القرائن تشير الى ان صراعا مريرا ، تحت الطاولة وعلى المكشوف ، يدور حولها. صراع يُعتقد ان أطرافا عدة تسعى فيه الى تعويض ما ترى انها خسرته في الجولات الثلاث الماضية (انتخاب رئيس مجلس النواب ، انتخاب رئيس الجمهورية، المرحلة الاولى من تشكيل الحكومة الجديدة).
وهنا يدور الحديث بالطبع عن الربح والخسارة وعن مصالح خاصة ضيقة وحسابات انانية، وليس عما يهم العراقيين جميعا ويخص تطلعهم الى شيء آخر مختلف تماما عما ساد في الفترات السابقة .
من جانب آخر يتوجب القول ان هذا الذي جرى ويجري ليس ايضا بمعزل عن التدخلات والإملاءات الخارجية المقيتة، التي تستجيب لها وللاسف، أطراف عراقية ما انفكت تتحدث عن الوطنية والسيادة واستقلالية القرار العراقي !
نعم ان في ما يحصل مفارقات ، وفِي جوانب منه استهتار بارادة الناس وطموحها، وهي التي كانت وما زالت تتطلع الى التغيير والإصلاح ، ليس في المنهج فقط، بل وفِي الشخوص الذين جُربوا ولَم يكن الا الفشل حليفهم ، اضافة الى الحديث عن الفساد الذي تزكم رائحته الأنوف منذ زمان .
في هذه الاوضاع الملتبسة ، التي ألقي حجر غير كبير على ما يبدو في بركة مائها التي يختلط فيها الحابل بالنابل ، ليس على قوى الاصلاح وداعميها ومسانديها الا الإصرار على السير في ذات المنهج الداعي الى التغيير. كما ان على الذين جعلوا من ساحات الاحتجاج بيوتا لهم، المزيد من التمسك المدروس والسلمي بمواقفهم طريقا لانتزاع الحقوق.
وقديما قيل: ما ضاع حق وراءه مطالب.

عرض مقالات: