الإنسان لا يولد غبيا ولا ذكيا، فالتربية هي التي تزرع فيه الذكاء وبعكسه يبقى غبيا متزمتا ويتحول من إنسان يمكن له أن يساهم ببناء الوطن، الى مفخخة يمكن لها أن تنفجر في اية لحظة تاركة خلفها الخراب!
بدأ التعليم في العراق ينحدر نحو الهاوية منذ عقود، حين أصبح الحزبيون وأعضاء منظمة " الاتحاد الوطني لطلبة العراق" التابع لحزب البعث، يتحكمون بمفاصل العملية التعليمية برمتها، وحلّ دَوي الرصاص عند رفع العلم بديلا لترديد النشيد الوطني. وساهم الحصار في تردي اكبر في التعليم، إذ هرب من المدارس عدد كبير من الطلبة بحثا عن اي عمل يؤمّنون به لقمة عيش لهم ولأهاليهم، ناهيك عن المناهج التربوية المليئة بالتعصب والكراهية وتمجيد القائد.
ايام الحصار بات راتب المعلم لا يكفيه لشراء طبقة بيض! فاضطر للبحث عن الدروس الخصوصية، أو أي عمل آخر، حتى أضحى النجاح صعباً دون المرور بالدروس الخصوصية التي أثقلت، وما زال، كاهل العوائل اقتصاديا وتربويا!
وفي ظل الحكومات الجديدة بعد سقوط النظام البعثي في 2003، لم يتغير واقع التعليم نحو الأفضل والأحسن، إذ تقلصت الدروس الفنية، التي تعد نافذة لاستراحة روحية للطالب، إلى حدودها الدنيا، ومن السهولة بمكان أن تشم مدا طائفيا تسلل إلى المناهج التربوية!
وبدل أن يسهم المعلم في بعث الحياة في روح الطالب راح يعلمهم، وهم في عمر الورد، كيف يتم غسل الميت قبل الدفن!
العملية التعليمية بحاجة إلى كوادر علمية، مستقلة بأفكارها وانتماءاتها، تقوم بإعداد برامج تعليمية جديدة، وبالأخص تلك التي تتعلق بالتربية الدينية، مستفيدة من تجارب الشعوب المتقدمة. ومصر ليست بعيدة عنا في انتمائهما العربي الإسلامي، وقد أقرت تدريس كل الأديان، ووجوب حضور جميع الطلبة للدرس بغض النظر عن انتمائهم الديني!
والعملية التربوية تحتاج إلى تحسين الوضع المعيشي للمعلم، بحيث تدر عليه مهنته راتبا يليق به، كي لا يهرب نحو الدروس الخصوصية أو يعمل سائق تاكسي بعد الدوام الرسمي. وهو أحق بالحصانة الدبلوماسية من اعضاء الحكومة بمختلف سلطاتها الثلاث، فلولاه لما تعلموا واصبحوا حكومة!
الصيادلة والمهندسون الألمان اضربوا مرة عن العمل مطالبين الحكومة بزيادة مرتباتهم أسوة بالمعلمين. طلبت المستشارة الألمانية "ميركل" لقاء وفد منهم وقالت لهم بعصبية ردا على طلبهم : كيف لي أن اساويكم بمن علموكم؟
هذا هو قدر المعلم بعين الشعوب المتقدمة!

عرض مقالات: