تواترت الأنباء عَنْ ظهور إصاباتٍ بمرض " الحمى النزفية " فِي مناطقٍ مختلفة مِن البلاد، مع العرض أنَّ هذا المرض الوخيم المصحوب بنزف فِي بعض الأحيان، يُعَدّ مِن الأمراض المشتركة مَا بَيْنَ الإنسان والحيوان، وَلاسيَّما الدواجن والقوارض والماشية. وَلعلَّ مَا يلفت النظر فِي حزمةِ البيانات الصادرة عَن الجهات الرسمية المعنية بالأمر، هو تباين مضامينها، إذ جاء بعضها كالعادة خجولًا، ما أفضى إلى ضياع حلقات مهمة مِنْ حقيقة تداعيات هذا المرض الناجم عن فيروسات عدة، فضلًا عن آثاره الجسيمة الَّتِي نبشت سمومها فِي أجسام بعض الأفراد من شريحة الفقراء، ولا أدل عَلَى ذلك مِن " اليوتيوبات " الَّتِي تناقلها مجموعة مِن الناشطين عَلَى قنوات التواصل الاجتماعي.
فِي اليوم السادس والعشرين مِنْ شهر حُزيران الماضي، أعلنت وزارة الصحة العراقية إنَّ فرقها رصدت رسمياً حالتين للفيروس المسبب للحمى النزفية فِي محافظة الديوانية، توفيت إحداهما فيما ترقد الثانية في المستشفى، مؤكدة أنَّ تحاليلَ مخبرية أجريت فِي " مختبر الصحة المركزي العام " بالعاصمة بغداد، أكدت الإصابة بهذا المرض, لكن الأكثر استغرابًا هو إشارة إدارة الصحة في بيانها المذكور إلى عدم وجود علاج فعال ومباشر للتعامل مع مرض الحمى النزفية، واقتصار التدابير الوقائية للسلطات المحلية عَلَى دعوة مربي الدواجن والماشية إلى الالتزام بالإجراءات الصحية، وَلاسيَّما الاهتمام بلبس القفازات؛ بالنظر لانتقال المرض عبر الملامسة. وفي اليوم التالي، أعلن مركز الامراض الانتقالية في وزارة الصحة عَنْ تسجيل خمس إصابات " مؤكدة مختبريًا " بمرض الحمى النزفية - توفيت أربع منها - منذ بداية عام 2018م، مع التأكيد أنَّ العامين الماضيين لم يشهدا تسجيل اية اصابة بالمرض موضوع البحث. وهو الأمر الَّذِي يؤكد وجود إصابات بهذا المرض الفيروسي قبل الإعلان عنه رسميًا فِي الأسبوع الاخير من حُزيران الماضي !!.
ليس خافيًا أنَّ مرضَ الحمى النزفية، لم يكن جديداً عَلَى إدارة الصحة العراقية، حيث شهد عام 1979م تسجيل أول إصابة بِه فِي حادثة مشهودة تسببت فِي وفاة طبيب ومعينة بمستشفى اليرموك التعليمي في جانب الكرخ ببغداد؛ نتيجة إصابة مواطن مِن منطقة ابو غريب بهذا المرض، ما يعني امتلاك تلك الإدارة القدرة عَلَى اتخاذ ما يقتضي مِن التدابير الوقائية حيال مواجهة ظهوره، وَأَدْهَى مِنْ ذلك تأخر إعلان الإدارة الصحية عَنْ تسجيل مفاصلها إصابات مميتة بمرض الحمى النزفية حتى أواخر شهر حُزيران، مع تأكيد الموقف الوبائي حصول وفيات به منذ بداية العام الحاليّ، فضلًا عَنْ أنَّ الأعوامَ السابقة شهدت تسجيل إصابات سنوية بصورة محدودة، ما يعني إلزام الإدارة الصحية القيام بإجراءات استباقية تقوم ركائزها عَلَى إعداد برامج تثقيفية توعوية، إلى جانب التأكيد عَلَى الجهات الساندة وفِي مقدمتها الدوائر البلدية تنفيذ التزاماتها حيال ظاهرة تربية المواشي فِي الأحياء السكنية ومكافحة ظاهرة الجزر العشوائي !!.
فِي وقت تأكد وزارة الزراعة - كحال شقيقتها وزارة الموارد المائية في مواجهتها لتداعيات ملء سد اليسو التركي - أنَّ الاصاباتَ الَّتِي ظهرت بمرض الحمى النزفية محدودة جدًا ومسيطر عليها، لعلَّ المذهلُ فِي الأمرِ هو دعوة " لجنة الزراعة النيابية " الكشف عَنْ الجهات المتورطة بإدخال " اللحوم " المصابة بالحمى النزفية، فبلادنا أصبحت مستودعًا لنفايات العالم مِن مختلف السلع والبضائع فِي ظل الفوضى الَّتِي تهيمن عَلَى السوق المحلي بفعل انعدام دور الجهات الرقابية وعدم محاسبة المفسدين، الأمر الَّذِي جعل بلادنا مختبراً كونيًا للرديء مِن المواد المستوردة.
ختامًا، هل بوسع لجنة الزراعة النيابية كشف ما تملكه من معلومات حول الجهات أو الأشخاص الذين تسببوا في انتشار مرض الحمى النزفية؛ نتيجة قيامهم باستيراد لحوم ملوثة مثلما أعلنت؟!.
فِي أمان الله.