تستمر في قطاع غزة حرب الإبادة الجماعية والمجاعة الجماعية للشعب الفلسطيني بسبب الحصار الكامل للقطاع من قبل النظام الصهيوني الإسرائيلي. واصبحت جرائم نتنياهو في القطاع على مرآى ومسمع من المجتمع الدولي، الذي يعجز الى حد هذا اليوم من ايجاد وسيلة فعالة لردع أعمال هذا الكيان ألاجرامية سواء في منظمة الأمم المتحدة أو في المحاكم الجنائية الدولية، وذلك بسبب الدعم اللامحدود للولايات المتحدة لهذا الكيان سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ما يدل على المشاركة الفعلية لأمريكا في الأعمال الاجرامية في غزة، ودفع إسرائيل الى ارتكاب المزيد من الإبادة بحق الفلسطينيين. وإذا كانت الولايات المتحدة هي التي تقرر مصير شعوب العالم، فما الفائدة من قرارات منظمة الأمم المتحدة او المحكمة الجنائية الدولية بشأن غزة إذا كانت لا تدخل حيز التنفيذ؟ أو من قرارات القمة العربية الاسلامية الطارئة الأخيرة في الدوحة حول ادانة إسرائيل؟

وفي الواقع يمكن لإسرائيل أن تعتبر نفسها منتصرة في حرب الاثني عشر يوما الأخيرة مع إيران، بعد أن نجحت في اشراك الولايات المتحدة مباشرة في العدوان الى جانبها، الا أن إسرائيل نفسها قد تلقت درسا لا تنساه مدى الحياة، وتبين أن نظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية"، الذي كانت تتباهى به، كان ضعيفا للغاية ولم يصمد أمام ضربات الصواريخ الايرانية، التي حولت إسرائيل الى "جيب معزول" أشبه بجزيرة في وسط بحر. وأصبحت هذه الحرب من الناحية الفنية من أكثر الحروب تدميرا في تاريخ إسرائيل الحديث، والتي هزت أركانها بقوة!!

المجتمع الدولي قاطبة، عدا الولايات المتحدة، يدين نتنياهو على جرائمه. وبدأت أوروبا تنظر الى هذا الكيان من منظور آخر يتمثل في وضع حد لتمادي إسرائيل في العدوان على غزة وابادة الشعب الفلسطيني، والذي قد يدفعها حتى الى الاعتراف بدولة فلسطين. الى جانب ذلك اجتاحت إسرائيل في الآونة الأخيرة موجات من التظاهرات تطالب باستقالة نتنياهو واحالته الى القضاء.

وحتى أولياء أمر إسرائيل - "الإنكليز"، الذين خلقوا دولة الصهاينة على أرض فلسطين، بدأوا يتنصلون عنها ويبدون انزعاجهم وعدم الارتياح من جرائمها الوحشية المستمرة تجاه الشعب الفلسطيني. ورغم تهديد ترامب فهم اليوم بصدد الاعتراف بدولة فلسطين، كما تنوي عمل ذلك فرنسا وبلدان أوروبية أخرى أيضا.

ونعيد الى ألأذهان، انه كانت هناك عدة مشاريع لأستيطان اليهود، منها قبرص وأفريقيا الشرقية، وبالأخص "اوغندا"، حيث وافق المؤتمر الصهيوني السادس في حينها على المشروع ألأوغندي بأغلبية الأصوات. لكن الخلافات بينهم أدت الى غلق هذا المشروع.

لقد فاقت جرائم نتنياهو كل جرائم الإبادة الجماعية للشعوب المناضلة من أجل حريتها. ولم يشهد تاريخ العالم جرائم مماثلة لجرائمه. جرائمه فاقت بمئات المرات جرائم الإبادة الجماعية للشعب ألأرمني على يد الحكام العثمانيين ألأتراك عام 1915، وبآلاف المرات – جرائم هتلر النازي بحق اليهود في محارق ومعسكرات الاعتقال النازية عام 1941.

لقد أغرق نتنياهو أرض غزة بدماء أطفال ونساء وشيوخ الفلسطينيين، وحول مساكنهم ومستشفياتهم وجوامعهم ومدارسهم الى أنقاض يقف عليها أطفال فقدوا اولياءهم ، تذرف الدموع من اعينهم، يتضرعون جوعا ، ويحملون بأيديهم"طاسات خالية من الطعام" ممتدة الى من يُشبِع جوعهم. وعدا ذلك حرم نتنياهو جياع غزة حتى من دخول المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة ودول اخرى. فلا هتلر ولا الهمج العثمانيون لم يقترفوا جرائم ابادة مثل جرائم نتنياهو اللعين!!

نتنياهو يبرر جرائمه من خلال اتهام حماس بتدبير اعمال ارهابية ضد إسرائيل. هؤلاء ليسوا ارهابيين، بل دفعتهم مجازر نتنياهو بحق ابنائهم الى الانتقام، انهم مناضلون ومكافحون من اجل استعادة أرضهم المغتصبة من قبلكم، من اجل العودة وعاصمتها القدس.

أنتَ يا نتنياهو، مطلوب للعدالة. ففي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي امراً باعتقالك واعتقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يواف غالانت بتهمة ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في فلسطين". وهذا ألقرار ضربة دبلوماسية خطيرة لكيانكم القائم على ألارهاب.

المجتمع الدولي يدين بشدة جرائمكم البربرية. وقبل أيام في 16 / 9 / 2025 أقرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة للأمم المتحدة، بشأن التحقيق في ألأراضي الفلسطينية المحتلة، بأن اعمال إسرائيل في غزة تعتبر "ابادة جماعية".

وقد عارضت حليفتكم الوحيدة، الولايات المتحدة، هذا القرار رغم أن جميع اعضاء الأمم المتحدة أيدوا هذا القرار، بمن فيهم أمينها العام غوتيريش. وهذا الموقف من جانب حليفتكم دليل واضح على مشاركتها وتأييدها التام للجرائم والمذابح التي يرتكبها النظام الصهيوني في غزة.

تعلم جيدا، يا نتنياهو، كيف لقي هتلر، مجرم حرب، حتفه بعد دخول القوات السوفيتية برلين واحتلالها عام 1945. حيث لم يجد من وسيلة للخلاص سوى الانتحار مع زوجته "يفا براون"، بعد ان أوعز لأقرب المقربين إليه من القادة النازيين ( غيبلز وبورمان وغيونشي ولينغي) بحرق جثتيهما وعدم ترك أي أثر لهما. وقد تم تنفيذ طلب هتلر هذا بالفعل. وتشير إفادات الشهود في محكمة نورنبورغ الى أن مساعد هتلر الشخصي"غيونشي" وحارسه الشخصي "لينغي" هما اللذان أخرجا جثة هتلر ويفا براون من المخبأ، وقام "غيونشي" وحده بسكب البنزين على الجثتين واحرقهما في الحديقة المجاورة لمخبأ هتلر ودفنهما في حفرة متسببة عن سقوط قنبلة في الحديقة نفسها.

أما أعوانه المجرمون النازيون فقد أحيلوا الى محكمة نورنبورغ الدولية لمحاكمتهم بنفس التهمة الموجهة الى نتنياهو: "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية".

وهذا المصير ينتظر كل الحكام القتلة، من السائرين على طريق ابادة الشعوب المناضلة من اجل حرية وكرامة وطنهم.

ومع كل هذا الوضع المأساوي تبقى هناك أسئلة بلا جواب:

  • فمنظمات وآليات ومؤسسات حقوق الانسان الدولية الحالية فقدت اهميتها وفاعليتها ، وهي عاجزة تماما عن اداء مهامها وردع البلدان المتجاوزة على القانون الدولي والمنتهكة لحقوق الانسان.
  • لماذا، لأنها تعمل اليوم تحت تأثير مركز واحد – تحت غطاء العالم المهيمن ذي القطب الواحد – تحت واقية الحكومات العميقة السرية وارادة اللوبي الصهيوني ألأمريكي!
  • قراراتها اختيارية ومقاييسها مزدوجة، تحكم مثلا على الرئيس اليوغوسلافي السابق "ميلوشوفيتش" بتهمة انتهاك حقوق الانسان، وتقضي عليه في السجن، بينما تغض النظر عن جرائم الإبادة الجماعية لنتنياهو في غزة، وتكتفي باصدار قرارات شكلية تُدين جرائمه ولا تُنَفذ!
  • العالم يتغير، وبدأت تظهر ملامحه في منظمة "بريكس" للتعاون، ثم الانتقال الطبيعي والحتمي الى عالم متعدد ألأقطاب، يسود فيه ألأمن والمساواة والعدالة الاجتماعية.

                                                         23 / 9 / 2025