تأريخياً، لم تكن انتفاضة تشرين عام 2019 وليدة لحظة انطلاقها، وإنما هي امتداد للحركات والوثبات والهبات الاحتجاجية الشعبية التي سبقتها بأعوام. وقد انطلقت شرارتها-وفقاً للأستاذ مديح الصادق:" نتيجة تراكم الغضب الجماهيري على نظام المحاصصة الطائفية والإثنية البغيض، الذي جاء به المُحتلّ الأمريكي، وتمادي الأحزاب الحاكمة في نهب الثروات، وإشاعة الجهل والخراب، والاقتتال الطائفي، وتغلغل النفوذ الأجنبي في كل مفاصل الدولة، فكانت الحلقة التالية في سلسلة الانتفاضات والاحتجاجات التي سبقتها، في الشوارع والساحات، حتى داخل قبة البرلمان."..

   ورأى السياسي والناشط المدني د. جاسم الحلفي:" ان انتفاضة تشرين الباسلة، وهي الثورة الشعبية غير مكتملة الشروط، لم تخرج عن تجارب الشعب الذي سجل التاريخ انتفاضاته ووثباته واندفاعاته للتغيير ولحفظ الكرامة. فانطلقت بقوة وحيوية وعنفوان جبار، في مواجهة جسورة لطغمة الحكم المستبدة، ولم تتراجع أمام القمع المنظم والقتل الممنهج، مع ان التضحيات بلغت رقما هائلا هو الأكبر على الاطلاق بين ما قدمته الانتفاضات في التاريخ المعاصر.. انها انتفاضة حملت هموم وطن، ونهض بها جيل من الشباب الواعي"..

 من جهة ثانية، تعد الانتفاضة واحداً من أبرز الأحداث في تاريخ العراق المعاصر، حين خرج مئات الآلاف من العراقيين الى الشوارع، في وجه الظلم والفساد والبطالة والفقر، مطالبين بحقوقهم ومرددين شعار "نريد وطن". فقد جسّدت هذه الحركة الشعبية صوتا جريحا ينادي بالعدالة الاجتماعية، ويعبّر عن استياء على السلطة الجائرة

   ويرى أستاذ العلوم السياسية  د.عصام الفيلي أن "انتفاضة تشرين هي الحركة الاحتجاجية الجماهيرية العفوية الأولى في العراق".وأضاف:" أن المنتفضين، الذين شعروا بالظلم واليأس، تحركوا بدافع الرغبة العارمة في التغيير. هذه الانتفاضة صححت جزءًا من مسار العملية السياسية، وجعلت القوى السياسية تدرك أن الرهان على الترويج السياسي والطائفي لم يعد ينفع، بل برزت بوادر وعي جماهيري متزايد". وأشار إلى أن "الطبقة السياسية الحاكمة باتت تدرك خطر الانتفاضة على نفوذها ومحاولات تغيير الواقع من الداخل. المنتفضون خرجوا إلى الشوارع بحثا عن العدالة الاجتماعية وسط هيمنة طبقة الاوليغارشية على ثروات البلد، واتساع رقعة الفقر".

  وقال الأمين العام لحزب البيت الوطني، المنبثق عن احتجاجات تشرين 2019، حسين الغرابي: "نستذكر الذكرى الخامسة لاحتجاجات تشرين، العلامة الفارقة في تاريخ الشعب العراقي". وأضاف :" أن

تشرين، كانت ثورة اجتماعية قبل ان تكون سياسية، وساهمت بإعلاء الكلمة الوطنية العليا ".

من جهته، وصف الناشط السياسي  زين العابدين البصري الانتفاضة بأنها "نقطة فارقة في تاريخ العراق الحديث، وخصوصاً للشباب بعد العام 2003".وقال: أن "الانتفاضة عززت الهوية الوطنية بين الشباب العراقي الذي أنهكته الصراعات السياسية"، مبينا ان "هذه اللحظة جمعت العراقيين بعيدًا عن الانتماءات الطائفية والعرقية".وأضاف ان "الانتفاضة لم تكن مجرد احتجاجات، بل كانت تعبيرًا صريحًا عن رفض جيل كامل للمنظومة السياسية، التي ردت على مطالبهم بالقمع الدموي: ,r¨ أسهمت الانتفاضة  في خلق جيل واعٍ ومدرك لأهمية التغيير"، موضحا أن "القوى المتنفذة أدركت حجم الخطر الذي شكلته الانتفاضة على مصالحها الحزبية الضيّقة، ما دفعها للتعامل بوحشية مع الشباب العزل".

   واعتبرها الكاتب مهدي قاسم: " الشمعة الوحيدة المضيئة في ليل العراق المظلم الحالي، لسرقة ونهب المال العام، بشكل غير مسبوق في عالمنا المعاصر.. ليل اللصوص المشرعنين بفتاوى فقهية، وعصابات الإجرام المنظم، وخاطفي الدولة العراقية نحو الخراب والضياع والاحتضار الإكلينيكي.. تلك الانتفاضة المجيدة التي تكالبت عليها مخابرات دول الجوار والبعاد بهدف تشويهها، وإبعادها عن مسارها الحقيقي، نحو الفوضى المنفلت.. بالأخص بمساهمة كبيرة اشتركت فيها ميليشيات عراقية وعربية معروفة، لإجهاضها والقضاء عليها، بتوجيهات إيرانية مباشرة، عبر إطلاق الرصاص الحي وعمليات اختطاف واغتيال وتغييب وترهيب ضد المدنيين المسالمين ".

 ولقد تميزت انتفاضة تشرين المجيدة أيضاً بأنها سجلت لأول مرة في تأريخ نضالات الشعب العراقي ان ترفع الجماهير بوجه الطغمة الحاكمة، مطلب نريد وطن- يتمتع فيه مواطنوه بالحياة والحرية والكرامة والمساواة، ويكون اَمناً مستقراً وخالياً من الفساد والمليشيات والسلاح المنفلت، ومن كافة أشكال العنف والجريمة والاعتداء على حقوق الإنسان.. 

 ولعل أبرز ما تميزت به انتفاضة تشرين أنها جاءت عفوية، لا وصاية عليها من قبل الأحزاب السياسية المتنفذة، وبعيدة كل البعد عن التحزب والطائفية والعشائرية والتعصب المذهبي والطائفي والقومي. وبذلك لجمت أفواه من اتهموها بأنها "بتحريض" و"بدعم أجنبي"....

 كتب الصحفي أحمد الدباغ: لقد أفرزت انتفاضة تشرين جيلا عراقيا جديدا يرفض ان يكون التعامل معه من قبل الدولة بالطرق والعقليات البالية السابقة وكما كان عليه الحال قبل التظاهرات"، مؤكداً بان تظاهرات تشرين "مثلت في كل مراحلها وعيا متقدما حقيقيا وبناء وبعيدا عن الانانية الشخصية والمنافع الفئوية الضيقة وهذا يفسر فشل ركوب او سرقة هذه التظاهرات التاريخية بامتياز من قبل القوى الانتهازية، ناهيك عن قوى السلطة المضادة، ما جعلها في طبيعتها ورؤاها وتأثيراتها طويلة الامد".

 وبين د. جاسم الحلفي:" الانتفاضة حملت هموم وطن، ونهض بها جيل من الشباب الواعي، ولا يمكن تصور نهاية لها لا ترتبط بالنصر. وقياس النصر هنا ليس رقميا، بل هو نصر الوعي بوجوب رفض الطائفية السياسية والمحاصصة والفساد، ورفع موضوعة المواطنة كقيمة عليا واساس لبناء نظام سياسي جديد، يحقق العدل والانصاف والعيش الكريم. وأضاف: ان للوعي بالتغيير وحراك الشعب القادم زمنه الاجتماعي وقوانينه الخاصة، وهو زمن لا يدركه من يقيس الوقت وفق ساعته التي تحركها قوانين الفيزياء!:      

           مجموعة ثالثة تتألف من 64 شهيدا وشهيدة

                       ومكان الاستشهاد

 

ت

 

الأسم الكامل

   مكان الاستشهاد

1-

إبراهيم حسين حسان السليماوي

بغداد

2-

أثير رعد عبود الحاتمي      

النجف

3-

إدريس عبد الخالق الموسوي 

الديوانية

4-

أحمد أنور الدريعي            

الكوت

5-

أحمد أمير الدهلكي            

بغداد

6-

احمد راضي طلاب الخرساني

الناصرية

7-

أحمد رضا منخي              

الناصرية

8-

أحمد حسين كشكول الخفاجي

الناصرية

9-

أحمد حمزة حسن البدري     

الناصرية

10-

أحمد سعدون المرشدي        

الحلة

11-

احمد صلاح بلاسم الحريشاوي 

بغداد

12-

أحمد كريم موسى الحسناوي  

كربلاء

13-

أحمد محمد علي العبادي   

الناصرية

14-

أحمد مهنه اللامي           

بغداد

15-

احمد نوفل لفتة الازيرجاوي

الناصرية

16-

احمد هاشم جبار            

البصرة

17-

أحمد عادل عبد علي اللامي   

بغداد

18-

أحمد عبد الكريم سهيم المالكي

البصرة

19-

أحمد عزيز عودة السهلاني   

الناصرية

20-

أحمد غانم الغالبي              

الناصرية

21-

أحمد هيثم العبيدي              

بغداد

22-

أحمد وليد مجيد الأسدي      

الناصرية

23-

ازهر الشمري                

بغداد

24-

أسامة أحمد العصامي        

بغداد

25-

إسحاق مهدي عبد الأمام الزيدي

البصرة

26-

إسكندر رزاق عودة الصافي   

النجف

27-

أسعد سالم مجبل البدري     

الناصرية

28-

أسعد عبد الله أحمد           

الناصرية

29-

أكرم صالح موات           

الناصرية

30--

أمجد هادي عبود الصفراني  

الناصرية

31-

أم زهراء (المسعفة)         

الناصرية

32-

انوار جاسم مهوس                

الناصرية

33-

أنور جبار علي الفريداوي 

بغداد

34-

أنور صباح طاهر التميمي         

بغداد

35-

أمير عبد الكريم الجلبي            

ديالى

36-

أمير حسين عبد مسلم المجتومي  

النجف

37-

أمير علي ناجي العبودي          

النجف

38-

أمير مدلول سعدون               

الناصرية

39-

آيات علي عبد السادة             

النجف

40-

باقر زيدان مزبان العمري        

النجف

41-

بكر العامري                      

بغداد

42-

تحسين اسامة الشحماني         

البصرة

43-

ثائر كريم رياح الكناني         

الديوانية

44-

جاسب حطاب الهليجي         

العمارة

45-

جاسم حسن جاسم الغراوي      

بغداد

46-

جبار مطر حمزة                 

لغداد

47-

جليل إبراهيم القزويني        

النجف

48-

جعفر نجم الدين المندلاوي      

بغداد

49-

جعفر ريسان حميد الدراج      

العمارة

50-

حسن أحمد السعير            

النجف

51-

حسن عبد الامير المحمداوي  

البصرة

52-

حسين إبراهيم عبد لفته         

بغداد

53-

حسين جليل حسين المگصوصي

لغداد

54-

حسين خضير الصلوخي      

بغداد

55-

حسين رسول التميمي          

بغداد

56-

حسين سلمان الزيادي         

النجف

57-

حسين ضافر البهادلي          

بغداد

58-

حسين كاطع الدلفي              

الكوت

59-

حسين قاسم فاخر البهادلي      

بغداد

60-

حسين محمد الكعبي            

بغداد

61-

حسين فاضل شبع             

النجف

62-

حسين هادي مهلهل           

الناصرية

63-

حمزة رائد العراقي            

الناصرية

64-

حيدر خالد جويد المياحي     

الناصرية

  

يبين الجدول ان من مجموع 64 شهيداً وشهيدة، استشهد منهم 21 في بغداد و19 في الناصرية و10 في النجف و5 في البصرة والـ 9 البقية في الكوت والديوانية والعمارة وكربلاء وديالى والحلة.

 ومن أبرز الدروس البالغة التي أعطتها الانتفاضة هي الصمود والتحدي ومجابهة القمع الدموي والقتل العمد للقوات القمعية والمليشيات المسلحة، وقناصتها ورصاصها وقنابلها الغازية السامة وبقية أسلحة القتل والشلل والإعاقة، بصدور عارية.

   ورغم ضخامة أعداد القوى القمعية للطغمة الحاكمة الهمجية ووحشية الأسلحة الفتاكة، التي استخدمتها ضد المتظاهرين السلميين، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى، إضافة لآلاف المعتقلين ومئات المختطفين والمغيبين. استطاعت الانتفاضة ليس فقط ان تصمد بوجه القمع الدموي، وإنما حافظت على طابعها السلمي. وهو ما أبهر العالم بها.

  ويسجل للانتفاضة المجيدة أنها استطاعت، برغم افتقار جماهيرها ونشطاؤها للتنظيم وللقيادة الموحدة والمجربة، وللعمل الجماعي المشترك، ان تجسد بأروع الأمثلة هويتها الوطنية الشعبية الشبابية العارمة، عاكسة إرادة وتطلع غالبية الطيف العراقي وجميع المواطنين غير المنتفعين من مغانم السلطة..

   وأوصلت الانتفاضة المجيدة وأبطالها البررة رسالة وطنية واضحة وضوح الشمس، بدعوتها الى المواطنة الجامعة، المواطنة الحقة، المواطنة العابرة للقوميات والطوائف والأديان والتخندقات الفرعية والمناطقية، مؤكدة بقوة على الهوية الوطنية العراقية وضد التبعية لغير العراق.

      

لقد شكلت انتفاضة تشرين 2019 الباسلة "واحدا من أهم الاحداث والتطورات في تاريخ الدولة العراقية منذ قيامها عام 1921 وهي تمثل، ومعها الحركة الاحتجاجية عموما بعد 2003، تجارب نضالية لشعبنا بالغة الثراء في انجازاتها ودروسها "(التقرير السياسي للحزب الشيوعي العراقي الصادر عن المؤتمر الوطني الحادي عشر، 2021).

 واستحقت الانتفاضة المجيدة كل الاستحقاق موقعها الطبيعي بين أكبر مآثر شعبنا النضالية في تاريخه الحديث، وتستحق كل الاستحقاق، رغم أنف أعداءها، ان نُحيي ذكراها دوماً، وأن نُمجدُ شهداءها الأبرار، وان نُجددُ المطالبة القوية بإنصاف عوائل الشهداء والمعوقين جسدياً، وبالكشف عن القتلة والجهات التي وقفت خلفهم، وتقديمهم الى القضاء العادل.

عرض مقالات: