مقدمة ومدخل

  يضطر الناس في كثير من الأحيان الى اتخاذ قرارات بطريقة غير عقلانية جزئيا نتيجة لوقوعهم تحت ظروف القيود والوقت، ويتجلى ذلك في الأعمال التجارية وفي السياسة وفي الحروب مثلا وفي المجالات المعرفية والمعلومات، وفي أحيان أخرى يتخذون قرارات غير واعية تؤدي للحكم بشكل سيء على الأمور وبالتالي تكون قراراتهم خاطئة هذه المشاكل في الوعي البشري خضعت للدراسات والبحوث من قبل مجموعة كبيرة من العلماء والباحثين بعضهم حائز على جائزة نوبل في اختصاصه، حيث توزعت  هذه البحوث على اختصاصات متنوعة، كالبحوث النفسية والسياسية والاقتصادية والبحوث الرياضية (من الرياضيات) والإحصائية والاجتماعية….. الخ ولقد قادتني قراءاتي في هذا المجال الى مفهومين يرتبطان ارتباطا وثيقا بالموضوع وهما مفهوم العقلانية المحدودة ومفهوم الانحيازيات المعرفية وكل من هذين المفهومين ينبثق من ويستند على مجموعة من المفاهيم والنظريات أرجو أن أوفق في توضيحها الى القارئ العزيز.

 العقلانية المحدودة

 لابد من التوضيح إن هذا المفهوم يكون واضح المفعول قي الحالات التي تكون القرارات متخذة من قبل مجموعات الأعمال أكانت اقتصادية أم سياسية أم غيرهما وهو مفهوم في الاقتصاد السلوكي وفي نظرية اتخاذالقرار.

 لقد أثبت الواقع العملي أن في لحظة اتخاذ القرارات تبرز بعض القيود المعرقلة المفروضة على القدرات المعرفية البشرية عند اتخاذ هذه القرارات1.

 ولقد لاحظ العالم هربرت سايمون1 المؤسس لهذا المفهوم أن غالبية القرارات المقصودة في موضوعنا هذا هي مقبولة ولكنها ليست بالقرارات المثالية، لأنها ليست ناتجة عن البحوث الرياضية والتجارب المختبرية الدقيقة، وفي ذلك يرى العالم هربرت سيمون." إن البشر كائنات عقلانية تكون قراراتهم مرضية لا مثالية أي أنهم يبحثون دوما عن حل مقبول بدلا عن الحل ألأمثل". هذا ما يدعى العقلانية المحدودة

الاقتصاد ألسلوكي

ما هو هذا الاقتصاد السلوكي الذي يسمى بالإنجليزي Behavioral economics، نحن هنا نخوض في علم يبحث في دراسة وتحليل القرارات المالية والاقتصادية التي تتخذ من قبل الأفراد والمؤسسات الاقتصادية وكذلك يبحث في دراسة العوامل الفكرية والاجتماعية والنفسية المؤثرة لحظة اتخاذ القرار ولذلك فإن هذا الفرع من الاقتصاد يهتم أولا بتأثير الناس والمؤسسات على الأسواق وثانيا يهتم بتأثير القرارات الصادرة عن المجتمع على عموم الاقتصاد ولذلك فإن الاقتصاد السلوكي يعتبر فرعا من فروع الاقتصاد الحديث وتكون تجلياته واضحة في القوانين التي تعمل وفق معطياته ولكنها تعمل بالمحفزات الذاتية السلوكية أكثر مما تعمل وفق مجريات الضرورة للقوانين الاقتصادية البحتة ومن هذه القوانين الفاعلة عند اتخاذ القرار.

قانون حقوق الملكية

نظرية الوكالة

نظرية تكاليف الصفقة

ويمكن ملاحظة إن مفعول هذه النظريات والقوانين يكون أكثر فاعلية على اقتصاد منظمات الأعمال. 2

 قانون حماية الملكية

من أهم رواد هذه المسألة هو البرفسور اودولف بيرلي

(1895 -1971) وهو أستاذ لقانون الشركات في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا عام 1927م حيث لاحظ (أن مديري الشركات يسيطرون عليها على الرغم من الملكية الر سمية للمساهمين). 3

وهو يرى إن عملية اتخاذ القرار هو نتيجة الصراع بين مصالح مديري الشركات من جهة ومصالح المساهمين من جهة أخرى فدعا الى تفتيت الشركات الكبرى الى كيانات أصغر وفرض التنظيمات الحكومية مراعاة لحقوق ملكية هؤلاء المساهمين، فهو يرى (… وبناء على ذلك يمكن اعتبار قانون الشركات قانونا دستوريا  محتملا للدولة).4

 هنا أنا أعتقد أنه أستند على ماركس في مسألة تفتيت الظاهرة عندما يتم توسيعها وكذلك حاكى رأي ديكارت في حل المشكلة الذي كان يرى تقسيمها الى أجزاء أو التجأ الى مبدأ التفاضل في الرياضيات  (ع)

 في حين يرى آخرون عكس رأيه بأن عملية اتخاذ القرار هي نتيجة لمساهمة كل موظف داخل المنظمة.5

إنه يرى إن هذا الإجراء يحمي ملكية المساهمين من سيطرة المديرين او الميسرين في اتخاذ القرارات.5

  نظرية الوكالة Agency Theory  

 هذه النظرية جاءت لتعميم النظرية السابقة وهي نظرية حقوق الملكية حيث يعمد المالكون وهم كل من حملة الأسهم والدائنون الى توكيل شخص آخر وهو الميسر ويعطى كافة الصلاحيات بما فيها صلاحية اتخاذ القرار ليقوم نيابة عنهم بذلك.6

 ومن خلال هذا العقد تبرز التناقضات في مصالح الطرفين أي مصالح المالكين ومصالح المديرين…….8 حيث يسعى المالكون الى رفع قيمة القرار (العقد) في الوقت الذي يسعى الميسرون الى تمرير القرار (يمكن مقارنة ذلك بعمل الدلال في المزادات).

 نظرية تكاليف الصفقة Transaction Cost Theory 

  في الاقتصاد السلوكي تتجلى هذه النظرية بمواصفات تختلف قليلا عن تجلياتها في الفروع الأخرى للاقتصاد وهذه التكاليف تأخذ مسميات أخرى لا تبتعد عن المعنى المراد توضيحه.

عموما إن أول من أستخدم هذا المصطلح هو الاقتصادي البريطاني رونالد كواس (1910- 2013) والذي كان أستاذا في كلية الحقوق في جامعة شيكاغو

ويكمل البحوث بعد ذلك الاقتصادي البريطاني جون وليامسون المولود عام 1937م ويجري عليها التطوير، وتتجلى إضافة لمفهوم الصفقة المعتادة في التعاملات الاقتصادية وكذلك لمفهوم التكاليف …...7، تتجلى التأثيرات  السلوكية التي يمكن تلمسها من خلال عملية اتخاذ القرار ودور البشر على اختلاف موقعهم من الملكية وبالتالي تأثيرهم على تكلفة الصفقة فالمستهلك وكما هو طبيعي يسعى للحصول على المزيد مقابل تكلفة أقل وبالتأكيد إن ذلك يؤثر على عملية التسعير وبالتالي الكلفة.

 نكتفي بهذا القدر من مفهوم العقلانية المحدودة التي عبر جوهره عن مسألة اتخاذ القرار بشكل غير عقلاني جزئيا نتيجة الظروف المحيطة بلحظة اتخاذه والتي كانت بغالبيتها ظروفا ذاتية، وعلى الجانب الآخر وعندما يكون القرار المتخذ خاطئا   cognitve biasيبرز مفهوم آخر هو الانحيازيات المعرفية وهي أخطاء غير واعية في التفكير أو هي نمط من الانحراف في اتخاذ القرار الذي سيكون قرارا غير منطقيا ومشوها للإدراك الحسي….8

وكما يوضح المدون ستيفن آتيشيسون هو فجوة بين الطريقة التي يجب أن نفكر بها والطريقة التي    نفكر بها فعلا مثل الحكم على شخص أو مجموعة بطريقة غير عادلة، إنها عيوب تشوب التفكير ألإنساني خلال بعض المواقف تؤدي الى استخلاص قرارات غير دقيقة، إنها لا يمكن التخلص منها تخلصا كاملا ولكن يمكن السيطرة عليها.

 طرق الحد من وطأة الانحياز المعرفي

 هذه الطرق تسعى الى منع الآثار السلبية للانحيازيات المعرفية، يرى العالم الاقتصادي دانيل كاغان الحائز على جائزة نوبل في بحثه في هذه الطرق، عدم الاستهانة بالقواعد والتعليمات التي تخص موضوعنا هذا* وعدم مخالفتها الانتباه الى المؤثرات التي تخالف التوقعات* عدم الانجرار وراء (وهم المهارة) *.

 إن الهدف من ذلك ليس إزالة الانحياز المعرفي وإنما الهدف هو إدراك هذا الانحياز.

 الهوامش والمصادر

1 -هربرت سيمون : من رواد علوم الحاسوب وعالم نفس) وإجتماع وعمل خلال سنوات 1939- 1942 مع فريق بحثي في جامعتي كاليفورينيا و شيكاغو ونال شهادة الدكتوراه عن بحثه عن " اتخاذ القرارات ألإدارية " و يرى إن القرار ألإداري يتجزأ الى عنصرين أساسيين هما التكلفة والنتائج

 2 -هي تجمع للأفراد نتيجة مبادرات فردية أو جماعية بهدف ممارسة نشاط اقتصادي وتسعى لتحقيق ربح

راجع مفهوم منظمات الأعمال في موقع (أي عربي) e3arbi.com

 3- أودلف بيرل (1895-1971)

أستاذ لقانون الشركات في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا عام 1927م

يرى إن المديرين يسيطرون على الشركات ودعا الى التشريعات الحكومية وفرضها كي تتيح لحملة الأسهم الحفاظ على حقوق الملكية وبروز دورهم في اتخاذ القرارات وفي إدارة شؤون الاقتصاد من خلال قانون الشركات الذي يأخذ طابعا دستوريا متماشيا مع مصالح الدولة.

 4،5 - نفس المصدر 

 6- نظرية الوكالة سامح خليفة كراس الحصول عليه عن طريق جوجل pdf

7- نفس المصدر

 8-هي عبارة عن عيوب تشوب التفكير ألإنساني خلال مواقف معينة تؤدي الى الخروج باستنتاجات غير دقيقة.