شهد الشرق الأوسط لحظة تاريخية برعاية صينية، حيث وقعت السعودية وإيران اتفاقية رائدة تعد بإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي في المنطقة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والتنمية بين البلدين، وتأثيره على العراق الذي يعاني من تحديات داخلية وخارجية منذ عقود.

تم الإعلان في 10 مارس 2023 عن الاتفاق السعودي الإيراني، حيث سبقه عدة مفاوضات سرية استمرت لشهور بين الخصمين، وكان الإعلان بوساطة التنين الصيني، وتتضمن الاتفاقية العديد من البنود الرئيسية، مثل الاعتراف المتبادل بسيادة كل طرف ووحدة أراضيه، والتعهد بتجنب المواجهات العسكرية ودعم الحلول الدبلوماسية، والالتزام بتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والثقافية، ويعتبر هذا الاتفاق إنجازا كبيرا للقضاء على الاقتسام السني الشيعي طويل الأمد، وتغيير محتمل لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى أن لهذا الاتفاق التأثير الكبير على العراق الذي يشترك بحدوده مع كل من السعودية وإيران، كما أن لديه علاقات معقدة بين هاتين البلدين، من ناحية أخرى فأن العراق ذو  أغلبية شيعية تمتلك علاقات وثيقة مع إيران الجارة، التي بدورها دعمت بعض القوى الشيعية والأحزاب الموالية لها، كذلك فإن بالمقابل هناك السنة العراقيين وعلاقاتهم التاريخية مع المملكة العربية السعودية، التي قدمت الدعم المالي والسياسي لمختلف الجماعات المتطرفة والسياسية في العراق، كل ذلك جعل العراق ساحة معارك للعديد من القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا، التي لها أجنداتها الخاصة في العراق، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

حيث يمكن لهذا الاتفاق أن تكون له تداعيات كبيرة على عدة أصعدة ومجالات، من ضمنها الأمن القومي العراقي، حيث أن هذا التقارب من شأنه أن يقلل من مخاطر نشوب أي صراع عسكري مباشر بين الخصمين، والذي يمكن أن يمتد إلى الأراضي العراقية، علاوة على ذلك يمكن لهذه الاتفاقية أن تشجع مختلف الجماعات الشيعية والسنية على السعي للتوصل الى حلول سياسية سلمية وشاملة، بدلاً من اللجوء إلى العنف والإرهاب.

كذلك يمكن للاتفاقية أن تكون نقلة نوعية من الناحية الاقتصادية، وتخلق فرصاً جديدة للاستثمار من قبل البلدين في العراق، لا سيما في مجال التجارة والطاقة والبنى التحتية، كما أن العراق يمتلك احتياطيات نفطية هائلة  ولكن قدرته بالتكرير محدودة، لذلك يمكن له أن يستفيد من الاستثمار المشترك بين البلدين لنقل التكنلوجيا، للوصول لمرحلة متطورة في التكرير النفطي، كذلك يمكن أن يساهم بدخول العراق لاتفاقية الحزام، ويكون مركز عبور للمبادرة التي تهدف إلى ربط آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال شبكة من سكك الحديد والموانىء وخطوط الأنابيب.

أما من الناحية الدبلوماسية فإنها ستعزز مكانة العراق في المنطقة وخارجها، حيث كان له دور كبير في تعزيز الحوار بين إيران والمملكة العربية، قبل دخول الصين على خط الحل، لذلك يمكن للعراق الاستفادة من هذه الوساطة والدعم الصيني الحاصل، لأن الصين اليوم برزت كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط مع تزايد نفوذها الاقتصادي والسياسي، وانحسار الغريم الامريكي.

إذاً فإن الاتفاقية تعتبر تطوراً هاماً في الشرق العربي، وسيكون لها أثرها الإقليمي ونمو اقتصادي يعود بالفائدة على العراق، الذي عانى عقوداً من الحروب والصراعات، وحان الوقت للاستفادة من موقعه الإستراتيجي وموارده وتنوعه الديني لتعزيز السلام والازدهار، والتعاون الثلاثي المشترك الذي سيعبر بالمنطقة إلى الشرق الأوسط الجديد.

عرض مقالات: