على مقربة أربعة أشهر ونيف من الأنتخابات العامة والمحلية السويدية يتوفر ما يكفي من المعطيات لترجيح أنتصار حاسم لليمين واليمين المتطرف السويدي ذي الجذور العنصرية. ولا يتوقع أن يتمكن الخضر (( Miljöpartiet de gröna ))، ولا حزب اليسار (( Vänsterpartiet )) ذو الجذور الشيوعية من تقديم دعم يمكن الحزب الديمقراطي الأجتماعي (( Socialdemokraterna )) من الأحتفاظ بموقع قيادة المجتمع والدولة السويدية الذي احتله لعقود عديدة، باستثناءات محدودة وقصيرة الأمد.
وصار مرجحا أن يحتل حزب (( ديمقراطيو السويد )) Sverigedemokraterna ذو الجذور العنصرية الموقع الثاني إن لم يكن الأول في البرلمان السويدي في دورته المقبلة، متقدما على حزب (( تجمع المعتدلين )) Moderaterna أكبر أحزاب اليمين السويدي تقليديا، الذي لم يعد يمانع في المشاركة في إئتلاف حكومي مع (( ديمقراطيي السويد )). سواء من موقع قيادة الإئتلاف أو العضوية الفاعلة فيه.
(( ديمقراطيو السويد )) بقيادة ييمي أوكسون هو أحدث الأحزاب البرلمانية السويدية عمرا، فقد تأسس عام 1988 لكنه وعلى مدى عشرة أعوام لم يتمكن من الترشح في أية أنتخابات إن على مستوى وطني أو محلي، وكان أول اختبار له لمعرفة حجم شعبيته في أنتخابات البرلمان الأوربي عام 1999 ولم يحصل مرشحه حينها، على أكثر من 8568 صوتا. وبقي الحزب شبه منبوذ بسبب جذوره النازية وجوبه بالإعراض عن التعامل معه من جانب جميع الأحزاب البرلمانية. وكان ينظر إليه باستخفاف وعلى أنه مجرد تجمع لحفنة من الشبيبة المتطرفة، لكنه كان في الحقيقة يعبر عما يسمى في السويد بالعنصرية المستترة Den dolda rasismen التي لم تكن تجد من يعبر عنها سياسيا، وهي ميل عنصري تبدى واضحا خلال الحرب العالمية الثانية بالموقف السويدي الرسمي الذي سمح لقوات ألمانيا الهتلرية باستخدام الأراضي السويدية كمعبر لغزو النرويج جارة السويد وشقيقتها الأثنية والتأريخية. وفي رفض السويد توفير الحماية لملك النرويج الذي طاردته قوات الأحتلال الألماني.
هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية كبحت هذا الميل، لكنها لم تؤد إلى أجتثاثه. وقد شكل تأسيس (( ديمقراطيي السويد )) الخطوة الناضجة الأولى للتعبير عن هذا الميل والتي تعثرت لسنوات لكنها بدأت منذ أواخر التسعينات في تسجيل النجاحات، حيث جهد زعيم الحزب الشاب ييمي أوكسون وهو عضو سابق في حزب تجمع المعتدلين، في نفي تهمة العنصرية عن حزبه، مع أن سياسة الحزب كانت تركز على نقد سياسية الهجرة واللجوء السخية التي كانت تتبعها حكومات حزب الديمقراطيين الأجتماعيين، ومع أن المبررات التي يسوقها الحزب للمعارضة لم تكن تتعلق فقط بالكلفة الأقتصادية لأستيعاب اللاجئين بل كذلك بما كان يصفه بـ (( التعارض الثقافي)) بين المهاجرين من خارج أوربا وبين المجتمع السويدي وقيمه، وصعوبة أو إستحالة أندماج هولاء الغرباء بالمجتمع السويدي، وفي كونهم يشكلون تهديدا للثقافة والقيم السويدية.
هذا الطرح الذي يخفي النفس العنصري بالحديث عن (( تعارض القيم )) أنعش مع مرور الوقت الميل العنصري المكبوت لدى أوساط تتسع باستمرار في المجتمع السويدي، وهو ما تجلى بالنجاحات الانتخابية المتتالية والمتصاعدة لديمقراطيي السويد حتى أصبحوا في الأنتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في أيلول ـ سبتمبر ثالث أكبر كتلة برلمانية.
وتدريجيا كسرت تلك النجاحات العزلة التي كابدها الحزب طويلا، ووافقت ثلاثة من أحزاب الكتلة اليمينية الأربع على التفاوض معه حول برامج سياسية مشتركة لأطاحة حكومة الديمقراطيين الأجتماعيين، الذين صاروا بدورهم يكيفون سياساتهم وبرامجهم بما يقربها من سياسات اليمين. وبقى حزب الوسط متأرجحا وضاغطا من موقع الدعم على الديمقراطيين الأجتماعيين لمزيد من التقارب مع سياسات اليمين.
وفي غضون ذلك خفت وهج حزب الخضر، وأنخفضت شعبيته إلى مستويات متدنية، أما حزب اليسار ذو الجذور الشيوعية، فقد زادت شعبيته قليلا لكنها لن تتجاوز، في كل الأحوال، نسبة الـ 10% من الناخبين، وهي نسبة غير مؤثرة، رغم أنه خفف كثيرا من معارضته للتوجهات اليمينية، حتى أنه صوت في البرلمان لصالح قرار يسمح بتقديم أسلحة الى أوكرانيا، في تعارض صارخ مع السياسة التقليدية التي ألتزمت بها السويد لسنوات طويلة، والتي تقوم على عدم أرسال السلاح الى مناطق النزاع. لكن اليسار ما يزال يتمسك بمعارضة الإنضمام الى الناتو، وإن كانت معارضته ليست بالحماس السابق.
تحولات دراماتيكية في توجهات المجتمع السويدي
- التفاصيل
- عبد الله عطية شناوة
- المنبر الحر
- 1129