مقدمة

اختلف الباحثون في تحديد مفهومي " الإصلاح " و " الثورة”. ويعود السبب في هذا الاختلاف كما اظن إلى عاملين: الأول هو قدم ظهورهما في المجتمع – كفكر وحركات وليس كمفاهيم - اذ رافقا ظهور الاستغلال والتمايز الطبقي في المجتمع، ويمكن ان نقول بان تاريخ الفكر الاشتراكي والحركات الاشتراكية هو تاريخ الصراع بين الطبقات المهيمنة المستغلة والطبقات المقهورة والمغلوبة على امرها، تاريخ الصراع بين دعاة الثورة والإصلاح وبين حكومات القهر والاستغلال على مدى "التاريخ المكتوب". والعامل الثاني هو تنوع وتعددية المدارس الثورية والاصلاحية وما بينهما من فرق ومدارس ثانوية متفرقة. واظن ان افضل من ارخ لهذين المفهومين بشكل مفصل هو المؤرخ الفابي البريطاني ( د. كول ) في عمله الكبير في المساحة والمحتوى " تاريخ الفكر الاشتراكي " الذي صدر ما بين عامي 1950 و 1960 في سبعة مجلدات . لقد تصدى ( د. كول ) لمثل هذه المهمة الشائكة منفردا ، و( جاك دروز ) في كتابه الضخم والرائع " التاريخ العام للاشتراكية " الذي صدر عام 1999 واشترك معه في تاليفه ستة أساتذة في جامعات مختلفة. والذي يعتبر المصدر الثاني بعد مجلدات كول لكل باحث عن تاريخ الاشتراكية في العالم .

لا بد من التمييز بين مفهومين للإصلاح: الإصلاح في المجتمع والإصلاح في الفكر وبذلك يمكن الحديث عن مصلحين في الفكر لديهم راي في اصلاح المجتمع والثورة وهناك ثوريون في الفكر لديهم اراء في اصلاح المجتمع والثورة.

 مفهوم الثورة

عبر الثورة يتم تجاوز الرأسمالية عبورا إلى الاشتراكية. لكن مفكري الثورة وقادة الحركات الثورية اختلفوا في تحديد مفهوم الثورة وطرائق تحقيقها إلى اتجاهات عديدة:

الاتجاه الأول: ربط تحقيق الاشتراكية والإصلاح حصرا بتحقق الثورة، فلا اشتراكية ولا اصلاح حقيقي بدون ثورة، وان البروليتاريا والبرجوازية طرفان متناحران لا يجمعهما جامع مشترك وان هذا الصراع التناحري لا بد ان ينتهي بثورة تحسم هذا الصراع لصالح الطبقة العاملة.

ان الحركات الثورية التي تبنت هذا الاتجاه غالبا ما كانت اقلية داخل الحركات الاشتراكية، وواجهت الكثير من القمع من الحكومات البرجوازية او التابعة للمنظومة الراسمالية وواجهت أيضا التشويه والتهميش من قبل التيارات الاشتراكية الأخرى الا في الفترة التي أعقبت ثورة أكتوبر اذ انقلب ميزان القوى لصالحها خصوصا في العقد الأول الذي تلا ثورة أكتوبر، ثم تغيرت الرياح بعد سيطرة الستالينية والنمط السوفييتي في إدارة شؤون الأممية الثالثة.

الاتجاه الثاني هو امتداد للاتجاه الأول وبشكل ادق هو جزء لا يتجزأ عنه، ولكنه طرح فكرة جديدة تماما عن قضية الانقضاض على الراسمالية ومفهوم الثورة الاشتراكية المرتبط به، وتعتبر روزا لوكسمبورغ رائدة هذا الاتجاه، و كان تروتسكي مؤيدا لرايها هذا وهو ان تكون نهاية الراسمالية بسبب حرب مدمرة أكثر منها بسبب المتناقضات الاقتصادية المتاصلة فيها نتيجة انتهاء قدرتها على التوسع. وسبق ان طرح بارفيس المفكر الروسي المقيم في المانيا هذا الراي منذ 1904 . وهنا يتبادر إلى الذهن أسئلة تحتاج إلى أجوبة: اكان انبثاق ثورة أكتوبر اثناء الحرب العالمية الأولى نتيجة مباشرة لاندلاع الحرب العالمية الأولى ام كانت عاملا مساعدا للعوامل الداخلية المصطرعة في المجتمع الروسي قبلها بعقود عديدة ؟ وهل كان لها ان تنجح بدون الحرب ؟ هل يمكن اعتبار انبثاق المعسكر الاشتراكي في اوربا الشرقية شكلا من اشكال الثورة الاجتماعية الناتجة بشكل مباشر بعد الحرب العالمية الثانية ؟  اذا كانت الحروب الامبريالية ظاهرة موضوعية ترتبط بإعادة تقسيم العالم بين الحيتان الكبيرة، فهل كانت تحليلات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي بصدد الحرب والسلام والتعايش السلمي تنطلق من رؤية منهجية تاريخية ام اتجاه ارادوي رغبوي ؟ الم يثبت النهج العدواني للامبريالية والعسكرة المتواصلة وسياسات الردع والاحتواء والهيمنة والعولمة وسباق التسلح خطا تحليلات ذلك المؤتمر ؟ الم تثبت التجربة ان الامبريالية استفادت من درسي الحربين العالميتين الاولى والثانية ؟ فقررت الامبريالية ان تستمر بخوض الحرب العالمية لا بطريقة الصراع فيما بينها فتخسر الكثير وتحفر قبرها بيدها من خلال تغير موازين القوى بعد الحروب العالمية لصالح الاشتراكية ولقوى التحرر العالمية، وانما تخوضها متحدة تحت قيادة الولايات المتحدة فتفرض نمطها الراسمالي وتطوق الاشتراكية وتخضع البلدان الأخرى، وفي النهاية نجحت بفرض القطبية الواحدة وتقسيم العالم بين الحيتان وكل حسب قوة اقتصاده و عسكرته ومكانته الدولية.

الاتجاه الثالث هو ان الراسمالية قد بلغت فعلا او في طريقها إلى بلوغ حدود قدرتها القصوى على قبول التحسين وبدات تهبط او هي وشيكة السقوط السريع فريسة لمتناقضاتها وستضطر إلى زيادة ظروف الطبقة العاملة سوءا في غمار صراعها من اجل البقاء، وإذا لم تكن الأمور قد بلغت نهايتها فان هناك مجالا للصراع اليومي الناجح في سبيل الحصول على تنازلات وسيدعم كلا من الصراع والتنازلات قوة العمال من اجل الثورة عندما يحين وقتها. وبناء على هذا الراي لم تكن الثورة حدثا وشيك الوقوع.

الاتجاه الرابع وهو انه لا يمكن تحويل الرأسمالية إلى اشتراكية بمجرد تراكم الإصلاحات الجزئية. كما انه لا توجد طريقة تستطيع الراسمالية بواسطتها ان تثبت نفسها او تحل بها مشكلة التقدم الاجتماعي الدائم بحيث تهرب من مصيرها المحتوم. وهي وجهة نظر ( ويلهلم ليبنخت ) و( بيبل )و( كاوتسكي ). وعقد رواد هذا الاتجاه الامال على الازمات الاقتصادية الوشيكة التي ستزيد شدة وتؤدي إلى أزمات اجتماعية كبيرة تهيئ مقدمات الثورة الاجتماعية الكبرى.

جميع المدارس السابقة متفقة على ان تحقيق الاشتراكية ينطوي على ثورة. ومعظم هذه المدارس تعني انه لا يمكن ان تجيء الاشتراكية دون خروج على النظام القائم وإعادة بناء المجتمع عمدا على أساس جديد ومنظومة قيمية جديدة وتغيير في النظام الطبقي.

وهناك من يرى ان مجرد تحقيق الاشتراكية يكون " ثورة " بصرف النظر عن وسيلة الحصول عليها فمثلما قامت الرأسمالية على أنقاض الاقطاع فكانت ثورة. برغم انه ما من احد يستطيع تحديدها باي تاريخ معين او يربطها بحدث بذاته الا جزئيا، وهؤلاء يرون انه سيكون اتتصار الاشتراكية على الرأسمالية " ثورة " أيا كانت الطريقة التي يتم بها .

كان معظم الثوريين يعتقد بخروج حاسم على النظام مصحوبا بانتقال في مركز القوة وهذا ما كانوا يسمونه ثورة. وتصور اغلبهم انها تنطوي على عنصر ما من العنف المادي الذي كان البعض يحبذه والبعض الاخر ينبذه الا لضرورة . وكلهم كانوا ثوريين وليسوا متطرفين لانهم ينفرون من العنف الشخصي .

بعد اطروحة غرامشي الشهيرة أصبحت الكتلة التاريخية أداة لتحقيق الثورة الاشتراكية دون اللجوء إلى الأساليب العنفية في اجراء التحول نحو الاشتراكية من خلال معركة الخنادق بدل معركة الحركات ومن خلال الهيمنة من تحت لاختراق البناء الفوقي البرجوازي الذي يصنع انسانا وعالما ذا بعد واحد.

في مجال القوى المحركة للثورة الاشتراكية حصل اختلاف كبير بين المفكرين الاشتراكيين حول دور الفلاحين في الثورة الاشتراكية، ومصدر هذا الاختلاف كما أرى، هو ان الفلاحين ليسوا طبقة متجانسة ويختلف وضعهم ودورهم في العمليات الاجتماعية من بلد إلى اخر، كما يختلف دور كل فئة من شريحة الفلاحين المنقسمة على نفسها في اغلب البلدان إلى فلاحين فقراء ومتوسطين واغنياء. وتعتبر تجربة روسيا بثورتيها ذات الطابع العمالي ( ثورة 1905 و أكتوبر 1917) وثورتها البرجوازية ( ثورة شباط 1917 ) انموذجا للدراسات الاشتراكية النظرية والتطبيقية عن دور الفلاحين في الثورة . فالشعبيون وتيارات اشتراكية أخرى اعتبروا الفلاحين هم القوة المحركة الرئيسية في اية ثورة برحوازية او اشتراكية ضد القيصر ارتباطا بقوتهم العددية وانتشارهم الجغرافي الواسع واعتماد الشعب الروسي في حياته على منتوجاتهم. بينما وقف تروتسكي في البداية موقفا معاديا للفلاحين اذ كان مقتنعا انه بمجرد ان تحاول البروليتاريا الروسية جعل الثورة اشتراكية سينقلب الفلاحون ضدها وسيستطيعون بمساعدة القوى الرجعية من خارج روسيا تدميرها الا اذا جاءت البروليتاريا في الدول الأكثر تقدما لنصرتها . واتخذ البلاشفة بقيادة لينين موقفا اخر اذ اعتبروا تحالف العمال والفلاحين بقيادة الطبقة العاملة هو الضمان الاولي لانتصار الثورة .

 مفهوم الإصلاح  

يقوم المذهب الإصلاحي على عكس ماركس في مفهومه عن التاريخ، فالإصلاحيون راوا ان قوى الإنتاج في تقدم مستمر بواسطة المكتشفات الفنية والتكنيكية وهذا التقدم يحدث تغييرا تدريجيا دون حاجة إلى قفزات او ثورات في المجتمع.

اتفقوا مع ماركس ان النمو الاقتصادي يأخذ اتجاها مستمرا نحو تشريك عمليات الإنتاج التي تدمر شخصية العامل الفرد وتحوله إلى مجرد مشترك في عملية اجتماعية من الإنتاج وتوقعوا تركيز السيطرة في يد الاحتكارات، وسرعان ما سيتم الاستيلاء على هذه التكتلات وتصير ملكية عامة تدار للمنفعة المشتركة. لكنهم اختلفوا مع ماركس بانه مع زيادة الإنتاج ستتحسن ظروفهم ومستويات معيشتهم بالحصول على أجور حقيقية اكبر وخدمات اجتماعية من قبل الدولة التي سيحولونها إلى دولة ديمقراطية فيتم توزيع الدخول والملكية عن طريق الضرائب التي تهدف إلى مصادرة الايجار والاستيلاء عليه لتحسين حالة الشعب وتنمية القوى الاجتماعية.

والدولة بالنسبة لهم ليست طبقية وجدت لخدمة طبقة معينة كما قال ماركس، بل هي محايدة واداة لاية طبقة او مجموعة تستطيع السيطرة عليها. وعن طريق الديمقراطية تصبح أداة حيادية لتطوير المجتمع وتخفيف انجاراته .

لم يعد اللجوء إلى الثورة او العنف مبررا فان الدولة الراسمالية تتحول بلا ثورة إلى دولة الشعب ويمكن استخدامها في تحقيق الاشتراكية.

ينفي الإصلاحيون ان النظام الراسمالي يولد الشقاء والفقر المتزايد لغالبية الناس ولا ان مصير هذا النظام الانهيار بسبب تناقضاته الداخلية، وان الرفاهية ستستمر بسبب زيادة الإنتاج.

ويمكن اعتبار ما طرحه برنشتاين عام 1896 قطبا تدور حوله اغلب اطروحات الإصلاحيين في العالم، اذ كان اينشتاين يرى ان الصراع الطبقي لم يكن الأداة المهمة في التغيير فالاشياء تتغير لان الظروف تدفع الناس وليس الطبقات إلى العمل على مواءمة انظمتهم مع حاجات جديدة، و أنكر فكرة ان المجتمع الرأسمالي على وشك الانهيار، ومن الخطأ ان يستخدم الحزب أساليب تفترض ان ثمة كارثة اجتماعية كبرى على وشك الحدوث. و كان يتحدى فكرة حتمية الاشتراكية بأكملها. انه اعطى للعوامل غير الاقتصادية دورا اكبر في عمليات التطور الاجتماعي، وشكك في سلامة مفهوم ماركس عن فائض القيمة، و انكر اتجاه الراسمالية للتركيز و انكر قانون التراكم الراسمالي، و رفض فكرة الحكم الذاتي للعمال في الصناعة، و ساند فكرة ان تكون لألمانيا مستعمرات وانكر ان الاستعمار أضر بالأهالي، وكان برنشتاين يفكر في عملية التحول اكثر من النتائج فالاشتراكية بكامل معناها قد لا تتحقق ولكن قدرا من الاشتراكية سيتحقق، لان اهم شي بالنسبة لبرنشتين هو الحركة وليس الهدف النهائي.

  مفهوم الإصلاح والثورة في البلدان الطرفية

لم يبذل جهد كبير لدراسة مفهومي الإصلاح والثورة في البلدان الطرفية مثلما حصل في البلدان الرأسمالية الأوروبية لأسباب عديدة منها: كانت هذه البلدان وما زال الكثير منها اما خاضعا بشكل مباشر للبلدان الامبريالية او بشكل غير مباشر. وغالبا ماخضعت هذه البلدان حتى بعد تحررها الشكلي إلى دكتاتوريات متعاقبة استخدمت العنف الاستبداد لإخضاع شعوبها. ومن الطبيعي ان لا تنشا في مثل هذه البيئات حركة فكرية بحثية مستقلة متحررة داخل هذه البلدان ، فكيف يمكننا ان نتصور دراسات تحليلية ناضجة عن مفهومي الثورة والإصلاح في بلدان وظفت بناءها الفوقي والتحتي وأجهزتها القمعية لمواجهة أي شكل من اشكال الثورة والإصلاح .

  بالرغم مما بذله المفكرون والباحثون والمؤرخون الغربيون من جهود كبيرة للكشف عن مكنونات تاريخ بلدان الأطراف، لكنهم مهما بذلوا من جهود فانها ستبقى دراسات فيها الكثير من النواقص والمثالب لان هؤلاء الباحثين غالبا ما يجهلون الكثير عن لغات وعادات وثقافات تلك البلدان. تمتاز هذه البلدان بامتدادها، الجغرافي الواسع فهي تشمل بلدان افريقيا واسيا وامريكا الجنوبية والوسطى إضافة إلى تنوع اثني كبير وتعدد لغوي يصعب تقصيه ولغرض الوصول إلى دراسة او تحليل لظاهرة تشمل كل هذه البلدان لابد من اعتماد منهج البحث من الخاص إلى العام اذ لا يمكن لاي باحث مهما علا شانه العلمي ان يعطي استنتاجات عامة دون معرفة تفصيلية عن كل بلد او على الأقل عن كل منطقة او إقليم يشترك في ميزات محددة . واستنادا على هذه الرؤية فان مسؤولية الوصول إلى نتائج حقيقية عن مفهومي الثورة والإصلاح في هذه البلدان تقع على عاتق الباحثين في كل بلد .

ان الدراسات الرصينة حول مفهومي الإصلاح والثورة اقتصرت على الصين والبلدان التي تاثرت بتراثها الطوباوي الاشتراكي والدراسات عن الفكر الطوباوي في البلدان العربية والإسلامية والهند وهناك الكثير من المجاهيل عن مناطق كثيرة أخرى في العالم. 

 الثورة والإصلاح في العراق

شخص الحزب الشيوعي العراقي طبيعة مرحلة ما بعد الاحتلال البريطاني و رسم سياسته على أساس اللوحة الطبقية وبذلك أصبحت مهمة تحرير العراق من الاحتلال ومن التخلف والتبعية الاقتصادي وبناء عراق ديمقراطي تخص طيفا واسعا من العراقيين ولا تقتصر على الشيوعيين، ومن هنا نشأت فكرة التحالفات. وبهذا انقسمت اللوحة السياسية في العراق إلى تيارين : التيار الأول يسعى إلى ثورة جذرية تزيل الاحتلال وتوابعه والاقطاع وجذوره وينضوي تحت هذا التوصيف الحزب الشيوعي وبعض الشخصيات ذات الاتجاهات اليسارية الديمقراطية وبعض الأحزاب والتوجهات القومية، وبرز خلال نضال الحزب الشيوعي في هذا الاتجاه عناصر عملت باتجاه اخر وانعكست بصيغة انشقاقات عديدة وانتقالا لقسم من هؤلاء إلى مواقع معادية للحزب . وتركزت هذه الظاهرة خلال الاربعينات من القرن العشرين . والتيار الاخر ويمكن ان نطلق عليه التيار الإصلاحي ويضم مجموعة أحزاب متباينة المرجعية بين اللبرالية والقومية والدينية لم تكن جادة في احداث تغيير ثوري وكانت تسعى إلى اصلاحات ذات طابع ديمقراطي.

بعد ثورة الرابع عشر من تموز تغيرت اللوحة، ولكنها تعقدت أكثر فالحزب الشيوعي وبعض الديمقراطيين اليساريين انفردوا في الدعوة إلى تعميق مضمون الثورة وحذروا من خطر التردد والوقوف في الوسط دون التقدم لاكمال مهمات الثورة المتفق عليها أصلا. بينما وقفت القوى القومية العربية والكردية موقفا رجعيا تحت غطاء قومي تحرري مع الحركات الدينية والمؤسسة الدينية الشيعية والسنية بدعم من مخابرات خليجية وعربية أخرى وتحت اشراف مباشر من دوائر المخابرات الامريكية والبريطانية في تحالف لاجهاض الثورة و وقفت البرجوازية المحلية ذات التوجه الليبرالي إلى جانب احتواء عبد الكريم قاسم إلى صفها ، فتوفرت فرصة لاعداء الثورة للانقضاض على الثورة وبهذا اصبح العراق مفتوح الأبواب امام راس المال العالمي والمخابرات الأجنبية والعربية للعبث بثرواته واستمر اثر هذا الانقلاب الفاشي إلى أيامنا الراهنة .

  بعد 2003 اصبح واضحا ان مشروع الاحتلال الأمريكي الاقتصادي السياسي فعل فعله المؤثر وتبلورت اللوحة كما يأتي : توحدت قوى المشروع اللبرالي تحت اغطية دينية وطائفية وعشائرية ومناطقية واصبحوا قوة كبيرة ضمن تحالف بيروقراطي كومبرادوري طفيلي مهيمن مدعوم إقليميا وعالميا، يسعى لتكريس تبعية العراق إلى عجلة الرأسمالية العالمية وتعميق ريعية الاقتصاد العراقي عبر تعطيل قاعدته الإنتاجية الزراعية والصناعية، ولم يبق امام الجماهير الغفيرة المتضررة الا التعلق بالمشروع المقابل وهو مشروع التغيير والإصلاح، لكن قوى التحالف المهيمن وعبر بيروقراطية مستحكمة فاسدة، اكتسحت البناء الفوقي للدولة العراقية وقوضت البناء التحتي لصالح راس المال الطفيلي والتجاري ، فتشوهت اللوحة واختلط حابل الثورة ونابل الإصلاح بعجلة رواد الدولة العميقة تحت جنح الدولة ليلا وتحت اليات الديمقراطية نهارا .

 

عرض مقالات: