في عام2014 قال السيد نوري المالكي وشاركه سياسيون من كتل سياسية نافذة القول، بأن الحكومة القادمة ستكون حكومة أغلبية، لأن حكومة التوافق وهو التعبير المحسن عن حكومة المحاصصة الطائفية، لم تثبت كفاءتها في إدارة الدولة. لكن هذه التصريحات لم تجد لها طريقا للتطبيق في الواقع، وانتهت الأمور بتشكيل حكومة التراضي والتحاصص. وفي عام 2018 صرح كثير من قيادات الكتل المتنفذة وفي مقدمتهم زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، بأنهم قد أحرقوا زوارق العودة لحكومة التوافق والمحاصصة، وسوف يعتمدون صيغة الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة كونها الصيغة الديمقراطية الأمثل في الحكم، بيد أن المطاف انتهى عند حكومة المحاصصة، التي اسقطتها انتفاضة تشرين بعد عام وعدة أشهر، واليوم وبعد انتخابات تشرين 2021 المبكرة التي فرضتها الانتفاضة التشرينية، يعود سيناريو حكومة الاغلبية، ويصرح السيد مقتدى الصدر غير مرة ولوسائل إعلام مختلفة، بأن الحكومة التي ندعوا اليها هي حكومة الأغلبية، وتكون الأقلية في المعارضة الايجابية، غير أن  تشديد القول والإطناب في الحديث عن حكومة الاغلبية شيء، وطبيعة القوى المتنفذة في الحكم شيء آخر، حيث أن هذه الفصائل لا تفكر بمستقبل الشعب ومصير الوطن، بقدر ما تفكر بمنافعها الخاصة وما تكسبه من وجودها في السلطة ، لذلك تسعى دائماً لأن تكون ضمن دائرة الحكم . ومن هنا أستطيع القول إن الحكومة الآتية هي حكومة المحاصصة الطائفية والاثنية ولا غير للأسباب التالية:

1- أن هذه الفصائل والقوى تعيل بعض قياداتها المتفرغة وبناء القاعات والمقرات الحزبية والسيارات ودفع ايجار القنوات الفضائية وغيرها، لذلك لديها مكاتب اقتصادية تمويلها من سرقة مؤسسات الدولة التي ترأسها، عليه تجدها تستقتل في سبيل وجودها في السلطة.

2- كل القوى في الكتل السياسية المتنفذة تعرف جيداً بأنها قد تجاوزت على المال العام، وان هذا الفعل يحاسب عليه القانون العراقي، والأمر الوحيد الذي ينجيهم من الحساب هو ِتربعهم على دست الحكم، لذا نراهم يعتبرون وجودهم في الحكم وجودا مصيريا ومغادرته تعني لهم الهلاك المبين.

3- الكتل السياسية المتنفذة وأحزابها تتفق فقط على تقاسم مغانم السلطة، ما خلا ذلك لا يثق بعضهم البعض ويسقط واحدهم الآخر كل منهم يحاول قضم حصة الثاني وبكل الطرق والوسائل، لذلك يخشى ويخاف الطرف الذي يكون في المعارضة، من أن تجري محاسبته بعد أن توجه له اتهامات بتجاوزات سابقة خلال إدارته لبعض مؤسسات الدولة، الأمر الذي يدفعهم لخيار حكومة التوافق والمحاصصة التي تديم عليهم الجاه والثروة وتجنبهم الاتهام بالفساد والمحاسبة في وضعهم في المعارضة لحكومة الاغلبية.

4- القوى المتحكمة بالعملية السياسية لها امتداداتها المؤثرة في خارج الوطن وخصوصاً في دول الجوار، وهذه الامتدادات لها مصلحة في تشكيل حكومة محاصصة، حيث تكون حكومة ضعيفة وواهنة، تستطيع تحقيق مآربها بسهولة وتمرير مشاريعها واطماعها دون معارضة، لذلك تدفع بالموالين لها صوب التوافق والمحاصصة خدمةً لمصالحها.

  عموم القول إن الغالبية الأعظم من الاحتمالات ترجح تشكيل حكومة المحاصصة الطائفية والاثنية، لأن القوى الرابحة والخاسرة من مقاعدها لا تريد أن تكون خارج السلطة، لأنها تجد الحماية في وجودها داخل السلطة، والغريب ان هذه القوى لم تتعظ بما حل بالحكومة السابقة التي أطاحت بها الجماهير بعد عام وأشهر، لاسيما وأن أسباب اندلاع انتفاضة تشرين ما برحت هي ذاتها وزادت تعقيداً وإن عادت فأنها ستعطي الذين يتجاهلون مصالح الناس أبلغ الدروس.

عرض مقالات: